استعمال الماء المرقي هل هو استرقاء ؟
305087
تاريخ النشر : 24-08-2019
المشاهدات : 42442
السؤال
هل استخدام ماء زمزم المقري به من راق يدخل في حديث السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولاعذاب من ضمنها لايسترقون ، وهل معنى الحديث يشتمل الماء أيضا أم فقط الرقية على الأشخاص ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ رواه البخاري (6472) ، ومسلم (220).
فجملة ( لاَ يَسْتَرْقُونَ )؛ أي لا يطلبون لأنفسهم من يرقيهم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” قوله: ( لاَ يَسْتَرْقُونَ ).
استفعل بمعنى طلب الفعل، مثل استغفر; أي: طلب المغفرة، واستجار: طلب الجوار، وهنا استرقى; أي: طلب الرقية، أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم; لما يلي:
1 – لقوة اعتمادهم على الله.
2 – لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله.
3 – ولما في ذلك من التعلق بغير الله. … ” انتهى من “القول المفيد” (1 / 102 – 103).
فعدم طلبهم للرقية نابع من كمال توكلهم على الله تعالى كما يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فلا تتعلق قلوبهم بأحد غيره ولا يسألون أحدا، ولذا ساق البخاري هذا الحديث تحت باب: “بَابٌ: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) “.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب، لكمال توحيدهم، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء، وهو سؤال الناس أن يرقوهم. ولهذا قال (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ، فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه، وثقتهم به، ورضاهم عنه، وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئا لا رقية ولا غيرها ” انتهى من “زاد المعاد” (1 / 476 – 477).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” والصواب: ( هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ) أي: لا يطلبون من أحد أن يقرا عليهم إذا أصابهم شيء؛ لأنهم معتمدون علي الله، ولأن الطلب فيه شيء من الذل؛ لأنه سؤال للغير، فربما تحرجه ولا يريد أن يقرأ، وربما إذا قرأ عليك لا يبرأ المرض فتتهمه، وما أشبه ذلك، لهذا قال لا يسترقون ” انتهى من “شرح رياض الصالحين” (1 / 550).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (139092) ، ورقم : (217325) .
ثانيا:
الماء المقروء عليه هو نوع من الرقية ، فيدخل فيما سبق .
فيتحصل من هذا : أن من يشرب من هذا الماء له حالان :
الحالة الأولى: أن يكون هذا الماء قرئ عليه بطلب منه؛ فهذا يتناوله لفظ “استرقى”؛ لأنه طلب هذه الرقية، ولا يوجد فرق معتبر بين أن يطلب من الراقي أن يقرأ له على جسمه، وبين أن يطلب منه أنه يقرأ له على الماء.
الحالة الثانية: أن يكون هذا الماء لم يطلبه وإنما وصله من غير أن تتطلع نفسه إليه، أو تحرص عليه؛ كأن يكون أهدي إليه، أما قلبه فهو متعلق بالله تعالى وحده، فهذا لا يصدق عليه أنه “استرقى”؛ لأنه لم يطلب ذلك، ولم يتطلع إليه.
قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى:
” فالحديث يدل على كراهيةٍ مّا للاسترقاء، وحقيقته: سؤالك من رجل أن يرقيك، وذلك سؤال لنفع دنيوي.
فأما أن يجيئك رجل فيرقيك بدون أن تسأله: فلا كراهة فيه؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي، وعرضوا عليه رقية، فقال: ما أرى بها بأسا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه .
وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ” إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه “.
وهذا الفرق شبيه بالفرق بين سؤال المال وقبول العطاء، ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، فقال: خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك .
وكان ابن عمر وأبو هريرة وغيرهما من الصحابة رضي الله تعالى عنهم: لا يسألون أحدا، ولا يردّون إذا أعطوا ” انتهى من “آثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي” (2 / 2 / 788).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (132384) .
والله أعلم.