السحرالسحر وخطره على المجتمعات قديما وحديثا

السحر الكناوي الأفريقي الجزء الثانيAfrican Gnawa witchcraft part two

على لسان واحد من قبيلة الكناوة الحفل ويسمى الحفل الذي يقام على شرف ملوك وملكات الجان، او التعبير بالاصح بعضها، التي تحظى بالتقدس من طائفة كناوة (سيدي شمهاروش، لالة ملكية، لالة ميرة، لالة جميلة، سيدس حمو، سيدي ميمون,,,)، تسمى الدردبة أو ليلة الدردبة، أو بشكل مختصر «الليلة» فقط, لكن ثمة مناسبات أخرى في يومية الطائفة تستغل لاستحضار الأرواح «العليا»، لغرض توسل تدخلها لقضاء بعض المطالب ذات الطابع السحري. فخلال عيد الأضحى الذي يسميه المغاربة «العيد الكبير»، يعتقد كناوة في أن لدم اضحية العيد خصائص سحرية تجعلها قربانا مقبولا من «الملوك»، وتستغل الشوافة الكناوية (قارئة الحظ) المناسبة لأجل التقرب إلى ملكة الجان لالة ميرة كي تمنحها القدرة السحرية على النظر في عالم الغيب، فالجان بحسب المعتقد يطلعون على محتوى اللوح المحفوظ الذي دونت فيه مصائر البشر. وتقوم عملية التقرب من ملكة الجان على مجموعة من الطقوس، فيتم تبخير مكان الذبح بالبخور السبعة التي تروق روائحها للملوك، ويعد طبق من عناصر سحرية متنوعة (مواد غذائية، حناء، ماء الورد,,,,) يقبل الملوك على أكلها بنهم,,, وبمجرد ذبح خروف العيد يقدم قليل منه حارا للشوافة كي تشرب منه، ويمرر أحد شيوخ الطريقة الكناوية الدمع على جبهتها وهي جلوس. ليلة الدردبة ليلة الدردبة هي أهم طقوس كناوة على الاطلاق، وحسب علماء الانثربولوجيا فان لها شبها بحفلات الزار في مصر وبعض الاحتفالات الطقوسية لدى الفودو في البرازيل وجزر الانتيل باميركا اللاتينية, وتنظيم الدردبة داخل الدور السكنية الخاصة لبعض أعضاء الطائفة في مواعيد سنوية محددة، غالبا ما تكون خلال النصف الثاني من شهر شعبان او في اوقات اخرى من الاشهر القمرية. واختيار شهر شعبان له علاقة بالاعتقاد في الجان الذي يشكل أساس طقوس ومعتقدات كناوة, فحسب المعتقد، تتحدد مصائر الناس للعام الموالي خلال ليلة منتصف شهر شعبان من كل عام, ويلعب الجان في تحديد مصير البشر دورا مهما، ولذلك ينبغي التوسل إلى ملوكهم (ملوك الجان) لأجل تحقيق أمنيات العلاج وزوال العكس والنجاح في الأعمال، وغيرها من الأغراض قبل ان يسجن الجان جميعهم طيلة النصف الثاني من شعبان، فكائنات الخفاء محكوم عليها – بحسب المعتقد – ان تقضي الفترة التي تسبق شهر الصيام محبوسة في معازلها الاسطورية، ولن تعانق حريتها من جديد الا في ليلة القدر. قمة الاحتفال «الليلة» في التعبير الكناوي هي قمة الاحتفال بملوك الجان البيض الذين يسمون في لغة الطائفة الخاصة (جيلالة), وتأخذ طابعا يمزج بين التراتيل الدينية التي تمتدح الله والرسول، الى جانب الطقوس والترتيل الخفية. وتمر «الليلة» بثلاث مراحل: مرحلة الطواف بالاضحية/ القربان والتي تكون غالبا عبارة عن تيس أسود, وتسمى هذه المرحلة (العدة) وتكون مفتوحة، اذ يسمح خلالها بالحضور لغير المنتسبين الى الطريقة الكناوية, وبها تنطلق الليلة على ايقاع دقات الطبول وأنغام المزاميرر والقراقب. مرحلة التصعيد الايقاعي تمهيدا للهياج الجماعي للحضور وهي – إضافة إلى المرحلة الأخيرة – «مغلقة»، ولا يسمح خلالها بالحضور لاتباع الطائفة، دون غيرهم. المرحلة الثالثة، وهي الحاسمة في الليلة، يكون خلالها الهياج الجماعي قد بلغ أوجه, وتكون خلالها الملوك قد نزلت بين المحتفلين بها. الانطلاق تنطلق ليلة «الدردبة» بعد منتصف الليل، بتنسيق بين «معلم (تنطق بتسكين الميمين) كناوي «مصحوب بفرقته و«شوافة كناوية» (الشوافة تسمى لدى كناوة الجزائريين: التي تأتي الكلام، بحسب درمنغن) ومساعدتها، وجميعهم من اتباع الزاوية, في مرحلة الطواف بالقربان، تعزف الفرقة بالمزامير وتضرب الطبول. ويبدو دور المعلم ضابطا لايقاع الحفل حيث يأتمر العازفون بتوجيهاته, ويقومون خلال المرحلة الأولى باستعراض مهارتهم في الرقص الايقاعي والحركات البهلوانية، فيبدون وكأن قوى خفية تحركهم. وحين يأخذ الإيقاع في التصاعد بالتدريج، يغادر الغرباء الفضوليون الحفل الطقوسي ليتركوه لأهله, فهم يدركون حتى دون ان يطلب منهم الانسحاب، ان المرحلة التالية سوف تشهد دخول كناوة في علاقة حميمة مع «ملوكهم» وقد يكون في حضورهم خطر عليهم. والموسيقى التي تعزف ليلة الدربة ليست مجرد ايقاعات راقصة قوية، كما قد يبدو لغير العارف بخبايا كناوة، بل ان المقاطع الراقصة تتوزع وفق نسق يجعل الفرقة الكناوية تعزف تباعا الايقاعات الخاصة بملوك الجان السبعة الذين يقدسهم أفراد الطائفة، بحيث يستطيع الممسوسون من الجان ان يجدوا ضالتهم في أحدها, فإذا كانت إحداهن ممسوسة بأذى «الملكة ميرة»، مثلا، فان الفرقة ما ان تعزف لحن تلك الملكة حتى تنهض الممسوسة، كما لو انها مدفوعة من قوة خفية، فتشرع في اطلاق ضحكات هستيرية مخيفة، ثم تبدأ في الجذب المحموم مع الصراخ والتمرغ على الأرض, وتطلب من المحيطنين بها ان يعطوها «قاقة» التي تعني في لغة الأطفال الحلوى، فيسرعون الى مناولتها شيئا حلوا، لان الملكة هي التي طلبته في لحقيقة, وبعد ان تسقط الممسوسة وهي تتلوى تسارع إليها معاونات العرافة لرمي غطاء من الثوب فوق جسمها المطروح أرضا, وينبغي ان يكون الثوب في لون الملكة التي تكون آنذاك بين الحضور. إن «ميرة» في معتقد العامة هي جنية من الملوك تصيب النساء بلوثة الغيرة والحسد، وبشكل خاص منهن الشابات المتزوجات حديثا، واللواتي يغيظها جمالهن, ولذلك، فإن المرأة الجميلة التي لا تشعر بنفسها على ما يرام تعتبر ان اذى ميرة اصابها، وتشجعها على الاعتقاد في ذلك الشوافة الكناوية. وليلة «الدردبة» هي ليلة «الطلاعة/الشوافة/العرافة» (وجميعها اسماء للساحرة الكناوية بحسب المناطق المغربية)، بامتياز. وخلال المراحل المتقدمة من «الليلة»، عندما يصل ايقاع الحفل الى أوجه، وتعزف فرقة كناوة موسيقى الملوك، يبدأ الرقص الطقوسي طريق الصعود نحو مرحلة الهياج التي ستتوج، والحفل بـ «نزول الملوك» بين الراقصين، تكون البخور السبعة اطلقت سحائب شفافة من دخان له رائحة نفاذة وزكية, يشرع بعض اتباع «المعلم» في الطواف بين الراقصين برايات تحمل الألوان السبعة لـ «الملوك» من اجل دعوتها الى النزول بين المحتفلين بها. وأثناء ذلك، يأتي الدور على العرافة التي يفترض انها اقرب الحضور الى القوى الخفية المدعوة الى النزول. تبدأ الطقس السحري باختلاج حاد يمتلك أطرافها، كما لو كانت مصابة بالصرع, فيفهم الحاضرون ان احدى الملكات بدأت في الحلول في جسد الساحرة، فتزيد مساعدتها من البخور في المجامر، كي لا ينقطع الدخان المحبب الرائحة لدى الملوك، في ملء الفضاء المسكون بروح الأسطورة,,, ثم يقمن بتغطيتها بأثواب من مختلف الألان: ثوب أسود، أصفر، أزرق,,, إلى أن تهدى الساحرة، فيعرفن من خلال اللون الاخير هوية الملكة التي حلت في جسد الساحرة. وتبدأ العرافة الكناوية في «النطق» بنبؤاتها، فتنصح هذه بأن تلبس اللون الأحمر، لان الملك الاحمر هو الذي يعاكس سعادتها, وتنصح تلك الأخرى بأن تقيم حفل الحضرة على شرف الملكة «عايشة» أو«جميلة», ان هي أرادت ان تتزوج ابنتها العانس، او ان تلد مولودا ذكرا، الخ، ثم تنتهي التنبؤات، التي يعتقد في ان الملكة هي التي كانت توزعها بين الحاضرات على لسان العرافة. وينتهي الحفل بذبح تيس اسود اللون قربانا في ليلة الملوك, التيس الأسود وليس غيره من قرابين الدم الأخرى هو الذي ترضى بقبوله الملوك عن طائفة كناوة, وقبل ان يُذبح، يقوم المعاونون بتقديم الحليب للحيوان كي يشرب منه، ويرش بماء الورد قبل ان يقطع الذباح الكناوي حنجراته,,, فتشرب العرافة من الدمالحار المنساب من القربان، قبل ان يغمس شيخ الطريقة الكناوية اصابع يده اليمنى ويطلي بالدم جبهتها. ويحمل التيس المذبوح الى بيت شيخ الطريقة الكناوية كي يطبخ في الصباح مع كسكس «مسوس» (بدون ملح). وسيقدم لحلقة ضيقة من المحظوظين والمحظوظات الذين سيناولون بركة الدردبة, وطبعا يطبخ العام بالقربان من غير ملح لأن الجان سيأكلون منه، اذ المعروف ان الجان لا تحب الملح، في معتقد المغاربة. وفي الساعات الأولى من الصباح، تنسحب الملوك الى مخابئها الاسطورية، وينسحب اتباع الطائفة طلبا للراحة بعد ليلة متعبة, وينتظر الأوفر حظا من بينهم ان يقاسموا ملوك الخفاء أكلة الكسكس، وفي ظنهم انهم نالوا ما يكفي من الحماية من أذى عامة الجان، بعد ان نالوا مباركة ملوكها السبعة
لويل للسحرة والجان فإن ولينا الرحمن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى