السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وليّالصالحين .
(( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
وكفىبالله شهيدا )) . (( محمد رسول الله والذين معه أشداء
على الكفار رحماء بينهم ))
سبحانه هو اللطيف بعباده ؛ ومن مظاهر لطفه بخلقه أن وهبهم العقل
الذي يميزون به بين الخبيث والطيب ،والضار والنافع ، والظلمات
والنور . وأرسل إليهم (( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس
على الله حُجة بعد الرسل )) . وأنزل كتباً تهدي
السالكين إلى أرض الرشاد والسداد ،
وعلى رأس هذه الكتب (( القرآن العظيم )) . نزل به أعظم ملك هو
الروح الأمين ، في أعظم ليلة هي ليلة القدر ، في أعظم شهر هو شهر
رمضان ، ومن أعظم مكان هو أم الكتاب ، في أعظم بلد (( مكة ))
بأشرف لغة ، على أعظم نبي هو سيدالأولين والآخرين ، الذي مدحه
ربه بما منحه فقال (( وإن لك لأجراً غير ممنون *
وإنك لعلى خلقٍ عظيم ))
وقال عنه مبيناً الحكمة من إرساله :
(( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) . وقال عن أتباعه : (( ورحمتي
وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا
يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم
في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت
عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي
أُنزل معه أولئك هم المفلحون))
وقد أمره مولاه ومصطفيه أن يعلن عموم رسالته فقال :
(( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات
والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ
الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ))
فتأمل معي قوله جل شأنه :
(( واتبعوا النور الذي أُنزل معه )) إنه القرآن . فالله نور السماوات
والأرض ، والقرآن نور ، والنبي الذي جاء بالقرآن نور
(( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين )).
فعجباً لأمر الأمه : ربها نور ، وكتابها نور ، ونبيها نور ،
كيف ترضى لنفسها أن تعيش في الظلمات (( فآمنوا بالله
ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير )) .
وبعد ….. فهذا بحث بسيط في فضل سورة الفاتحه ،
قصدت به تيسير الطريق لذوي الألباب الباصره،
وأولي الأفئده المستنيره ، لمن أراد أن ينفعه الله بهدي كتابه
(( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين
يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا )) .
لا سيما وقد طغت الماديات على المعنويات ، واشتغل الناس بالدنيا ،
وارتكبوا في سبيل تحصيلها وجمع مالها ما يندى له جبين الحياء خجلاً
فماجت الفتن موج البحر ، وعرضت على القلوب كما تعرض الحصير
عوداً عوداً ، فأنكرتها قلوب وأشربتها أخرى . فكانت القلوب على قلبين :
على أبيض مثل الصفا لا تضره فتنه مادامت السماوات والأرض ،
وعلى أسود مرباداً مثل الكوزِ مجخياً لا يعرف معروفاً ولا
ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه .
فالمخرج من تلك الفتن هو القرآن الكريم ففيه
نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم .
وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا :
(( إنا سمعنا قرآناً عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به )) .
من قال به صدق ، ومن عمل به أُجر ، ومن حكم به عدل ،
ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم …
وعلى بركة الله نبدأ
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين (2) الرحمنالرحيم (3)
مالك يوم الدين (4) إياك نعبد وإياك نستعين (5)
اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم
غير المغضوب عليهم ولا الضآلين (7) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أنظر غريب الحديث لابن الجوزي [1- 8 ] والنهاية في غريب الأثر [1 – 18 ]
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وتشع كمالاً وتغمر العباد رحمة وإحساناً ،
وتعم الأكوان فضلاً وإكراماً .
فيها التبرك باسم الله ،
أو استعين باسم الله في عملي ، فإذا العمل تحوطه العناية
وتحفظه الرعاية وتملؤه البركة . لذلك قال الصادق المعصوم
(( كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ))
على معرفة بها : فتستحب في أول الوضوء لقوله عليه السلام :
( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) ، وتستحب عند الذبيحه في
مذهب الشافعي وأوجبها آخرون ، وتستحب عند الأكل لقوله عليه السلام :
( .. فإذا أكل أحدكم طعامه ، فليذكر اسم الله عليه ، فإذا نسى
في أوله فليقل باسم الله في أوله وآخره ) ..
وأيضاً تستحب عند كل شيء .
عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه
( بسم الله الرحمن الرحيم ) ،
سبأ وجاء فيه (( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم )) قال
سليمان للهدهد : ألا تخاف أن يصطادك أحد وأنت في الطريق إليها ؟
قال الهدهد : يا نبي الله وكيف أخاف وأنا معي بسم الله الرحمن الرحيم؟ .
وكيف لا وأنت لا تستعين بأحدٍ من ملوك الدنيا ،
إنما تستعين بمالك الملك وملك الملوك ، وكأنك تقول :
وخشعت الأصوات لقوته ، وعنت الوجوه لعظمته .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
في قلوب المؤمنين لجلاله ورحمته .
(( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم )) .
وقال في مقام الرحمة والطمأنينة :
(( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) .
رجلاً ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من الدمع ؟ وأن هناك أعيناً لا تمسها
النار ، ومن تلك العيون عين بكت من خشية الله ؟
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
الشدائد حلقاتها حوله ، واحتدم الخطر وادلهم الخطب عليه ،
إنما كل ما قاله : (( معاذ الله )) فأعاذه الله تعالى ..
( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) .
( أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ،
فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته )
( الراحمون يرحمهم الرحمن . ارحموا من في
الأرض يرحمكم من في السماء ) .
رواه ابن عدي في الكامل (3/29) ترجمة خالد بن عمرو القرشي السعيدي وقال ابن عدي روى عن الليث بن سعد وغيره أحاديث مناكير؛ (6/285) ترجمة محمد بن الوليد بن أبان، وقال ابن عدي كان يضع الحديث ويوصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون.
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (48/51) ترجمة غازي بن محمد أبو الحسن الوشاء.
وجاء في الوعيد : ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي ..
من لا يرحم لا يرحم ) .
بأسمائه الحسنى فقال : (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين
يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون )) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
رواه الطبراني في الأوسط (7/200)، ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء (4/338) وفي إسناده أبو بكر الهذلي ضعيف.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ضعيف: رواه ابن ماجة في السنن (3801) والطبراني في المعجم الكبير (12/343) من طريق صدقة بن بشير مولى العمرين عن قدامة بن إبراهيم الجمحي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب الحديث وصدقة وقدامة مقبولان ولم يابع أي منهما على الرواية.
لم أقف له على إسناد لا في كتب السنن ولا المسانيد ولا المعاجم ولا غيرها وقد وجدت المنذري عزاه للبخاري في الضعفاء (2/288-2428) ولم أقف عليه في ضعفاء البخارى ولا في غيره.
ثم وقفت على كلام للعلامة ابن القيم في هذا الحديث قال
هل هذا الحديث الذي رواه في الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافيء مزيده صحيح أم لا افتونا مأجورين رحمكم الله؟
أجاب الشيخ الإمام العالم شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي
الحمد لله هذا الحديث ليس في الصحيحين ولا في أحدهما ولا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة ولا له إسناد معروف وإنما يروى عن أبي نصر التمار عن آدم أبي البشر ولا يدري كم بين أبي نصر وآدم إلا الله تعالى
قال أبو نصر قال آدم يا رب شغلتني بكسب يدي شيئا من مجامع الحمد والتسبيح فأوحى الله إليه يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثا وإذا أمسيت فقل ثلاثا الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافيء مزيده فذلك مجامع الحمد والتسبيح فهذا لو رواه أبو نصر التمار عن سيد ولد آدم لما قبلت روايته لانقطاع الحديث فيما بينه وبين رسول الله فكيف بروايته عن آدم. أنظر صيغ الحمد (1/21).
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فـ( الرحمن الرحيم ) وعد يشرق بنوره على
قلوب عباده ليبدد غياهب ظلمات اليأس .
النفوس المارقه لتعود إلى ساحة الرضوان :
هل من تائب فأتوب عليه ؟
هل من سائل فأعطيه ؟
هل من مستغفر فأغفر له ؟
قال أبو تمام :
هذين الجانبين لتكتمل الوسائل وتستقيم السبل .
( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ،
ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد ) .
( مالك ) و ( ملك ) فالمالك يملك وقد لا يحكم ، والملك يحكم
وقد لا يملك . هذا بالنسبة للعباد . أما الذي يملك
ويحكم فهو الله وحده ، فهو المالك الملك .
( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون )
( الملك يومئذٍ الحق للرحمن ) .
السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يطوي الله عز وجل السموات
يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون
المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرض بشماله ثم يقول
أين الجبارون أين المتكبرون ؟ ) .
ليعلم البشرية جمعاء أن الدنيا ليست هي النهاية .
فما الإنسان في جيل إلا ذرة في فضاء وما الجيل في
زمان إلا لبنة في بناء ، وما الزمان إلا مقدمة
محدوده لعالم البقاء .
( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعدّ نفسك من أهل القبور ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وما نحن في هذه الدنيا إلا كراكب استظل
بظل شجرة ما يلبث أن يغادرها .
وعمل ينهيه أجل ، وبعد ذلك يجزى
كل امريء بما فعل .
ليبعث المهابة في القلوب لهذا اليوم من باب
قوله جل شأنه : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) .
الحسن البصري رضي الله عنه : عظنا يا تقي الدين . فقال له :
يا أمير المؤمنين صم عن الدنيا وافطر على الموت
وأعدّ الزاد لليلة صبحها يوم القيامة .
وما تخفي الصدور ، وسوف يسأل فيها كل امريء
عن شبابه فيم أبلاه ، وعمره فيم أفناه ، وعن ماله من
أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا صنع فيه .
فسوف يقال لك : لقد كنت تقرأ الإنذار كل يوم سبع عشرة مرة .
ألم تقرأ ( مالك يوم الدين ) فهذا هو يوم الدين والله مالكه .
( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) .
( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون *
يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ) .
فسوف يقال لك : ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) .
فسوف يقال لك : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
. . ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزى والد عن ولده
ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم
الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) . .
( ما يبدل القول لديَّ وما أنا بظلام للعبيد ) .
( يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول : هل من مزيد *
وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ناسب ذلك أنه لا معبود سواه ولا يستعان إلا به .
فمن الحقيق بالعبادة إلا المالك ؟
ومن الجدير بطلب العون إلا هو ؟ .
وفيهما التفات من الغيبة إلى الخطاب ،
فإن العبادة وطلب العون ثناء على الله بما
هو أهله فناسب ذلك اسلوب الخطاب
في ( إياك ) ( وإياك ) .
وهو اختصاص الله تعالى بالعبادة وطلب العون منه .
( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) .. ( ولئن سألتهم من
خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ) ..
والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من
الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) ..
به الأرض بعد موتها ليقولن الله ) .
آمنوا بالله رباً ولكنهم أشركوا به إلها وقالوا
( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )
فأشركوا في عبادته غيره .
الإنسانية من أرجاس الشرك . قال تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان
واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله
فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى
به الريح في مكان سحيق )
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما
أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) .
، ويكون توحيد الإلوهية خالصاً لله ، بإخلاص العبادة له :
( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً وما كان من المشركين )
( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً
ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) .
ومعنى كونه صواباً أي على وفق ما شرع الله ،
وإخلاصه : بعده عن شوائب الشرك .
ولكنهم أشركوا في ألوهيته . وفيهم يقول جل ذكره :
( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ،
( ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم
إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه
يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) .
وبعد الوعيد أرشد العباد إلى طريق الرشاد .
عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ) .
بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) .
في قوله جل شأنه : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *
ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون *
إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) ،
قوله جل شأنه : ( إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين )
فالعبادة هي الغاية ، والإستعانة بالله
مظهر من مظاهرها ،
لأن الإسلام هو دين الجماعة التي لا تجحد حق الأفراد ،
ومصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد ،
وفي نفس الوقت فإن حق الفرد مقدس
لا يجوز المساس به .
لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها :
لِم لم تصلح لها الطريق يا عمر ؟ .
على معرفة بأخص خصائص إسلامنا ؟ .
والصحيح: حديث النعمان بن بشير : عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } قال الدعاء هو العبادة وقرأ { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } إلى قوله { داخرين}.
الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ) .
فيا أخي إذا سألت فاسأل الله ،
وإذا استعنت فاستعن بالله .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أن يكونا خالصين لله ، ناسب ذلك أن يأتي بآية
الدعاء بعد العبادة والإستعانة ،
فكان بين الآيتين تمام ارتباط . والصراط هو الطريق ،
والمستقيم هو الذي لا اعوجاج فيه ، أو كما
الله عليه وسلم : ( ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ، وعلى جانبي
الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ،
وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً
ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط . فإذا أراد الإنسان أن يفتح
شيئاً من تلك الأبواب ، قال : ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه .
فالصراط هو الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة
محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ،
والداعي من فوق الصراط واعظ
الله في قلب كل مسلم ) .
وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم .
أي وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت
عليه من عبادك من قول وعمل ، وذلك هو الصراط
المستقيم ، لأن من وُفِّقَ لما وفق له من أنعم الله
عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين فقد وفق للإسلام .
وهي هداية خاصة لا يقدر عليها إلا الله ، وفيها يقول جل شأنه :
( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين )
لأن مشيئة الله ليست عبثاً إنما تقوم على الحكمة والعلم
والإرادة والقدرة ، ومن ثم فقد جاء ختام الآية
( وهو أعلم بالمهتدين )
وعلم ما لا يكون لو كان
كيف كان يكون .
وعلى وجه المثال فهو كالمرآة إذا نظرت إليها
بوجه مبتسم بدت صورتك مبتسمة
فإذا نظرت فيها عابس الوجه
بدت صورتك كذلك .
( مثل علم الله فيكم كمثل السماء التي أظلتكم والأرض
التي أقلتكم ، فكما لا تحملكم السماء والأرض على فعل
الذنوب كذا لا يحملكم علم الله ، وكما لا تستطيعون الخروج
من السماء والأرض كذا لا تستطيعون
الخروج من علم الله ) .
حيث يجعل تلك الحكمة ، قال تعالى : ( لقد رضي الله عن
المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم
فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا ً ) .
فهو سبحانه يرشد ويبين ويزود الإنسان بالوسائل التي تمكنه
من سلوك الطريق القويم . قال تعالى : ( إنا خلقنا الإنسان من
نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سمعياً بصيرا * إنا هديناه
السبيل إما شاكراً وإما كفورا ) .
ثم بين وظيفة العقل لأنها الأهم من ذكره ، فلم يقل ووهبنا
له عقلاً ، وإنما قال : ( وهديناه النجدين ) . وقال سبحانه :
( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها *
قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) .
هناك جبر أو سلب لكسب العبد واخياره وقد قال تعالى :
( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) .
( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى *
فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى *
وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى ) .
( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ..
وقال عظمت حكمته : ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب
وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
طريق الفسق والظلم والضلال : ( إن الذين لا يؤمنون
بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ) .
فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه
بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل
عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا
فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) .
في ثلاثة جوانب : فقد خلق لنا عقلاً وأرسل إلينا رسلاً وأنزل
إلينا كتباً ، وهو قبل ذلك وبعد ذلك يقبل التوبة عن عباده ويعفو
عن السيئات فلا يلومن الظالمون إلا أنفسهم . قال تعالى :
( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم
من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من
أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .
( اهدنا الصراط المستقيم )
أي وفقنا وأعنّا على سلوكه .
والصلاة في ذاتها هداية ؟
للثبات عليها . فقد كان دعاء الصادق المعصوم صلى الله
عليه وسلم : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) .
( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله )
فأمرهم بالإيمان وخاطبهم بصفة الإيمان ،
أي اثبتوا على الإيمان بالله ورسوله .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وفي رواية (شرنا وابن شرنا وجاهلنا وابن جاهلنا)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
( لقنني جبريل آمين عند فراغي من سورة الفاتحه وقال :
إنه كالختم على الكتاب ) ،
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وأوضح ذلك عليّ كرم الله وجهه فقال :
آمين خاتم رب العالمين ، ختم به دعاء عبده
– يريد أنه كما يمنع الخاتم الإطلاع على
المختوم والتصرف فيه ، يمنع
الخيبة عن دعاء العبد .
ولكن بما أننا تكلمنا عن فضل سورة الفاتحه
فكان واجب عليّ أن أخوض في شرح وبيان أحكام آياتها …
ولا تنسوني من صالح دعائكم
فراشة الربيع