حكم السحر
أولاً: السحر ينقسم إلى قسمين:
– شرك، وهو الأول الذي يكون بواسطة الشياطين، يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور.
– عدوان، وفسق وهو الثاني الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.
ثانياً: بالتقسيم الذي ذكر نتوصل إلى مسألة مهمة، وهي: هل يكفر الساحر أو لا يكفر؟
اختلف في هذا أهل العلم:
فمنهم من قال: إنه يكفر.
ومنهم من قال: إنه لا يكفر.
ولكن التقسيم السابق الذي ذكرناه يتبين به حكم هذه المسألة، فمن كان سحره بواسطة الشيطان، فإنه يكفر لأنه لا يتأتى ذلك إلا بالشرك غالباً، لقوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ… إلى قوله: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ [البقرة:102]، وأما قتل الساحر، فإن كان سحره بالأدوية والعقاقير ونحوهما، فلا يكفر، ولكن يعتبر عاصياً معتدياً.
وأما قتل الساحر، فإن كان سحره كفراً، قُتِل قتل ردة، إلا أن يتوب على القول بقبول توبته، وهو الصحيح، وإن كان سحره دون الكفر، قُتِل قتل الصائل، أي: قتل لدفع أذاه وفساده في الأرض، وعلى هذا يرجع في قتله إلى اجتهاد الإمام وظاهر النصوص … أنه يقتل بكل حال، فالمهم أن السحر يؤثر بلا شك، لكنه لا يؤثر بقلب الأعيان إلى أعيان أخرى، لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله ـ عز وجل ـ، وإنما يخيل إلى المسحور أن هذا الشيء انقلب وهذا الشيء تحرك أو مشى وما أشبه ذلك، كما جرى لموسى عليه الصلاة والسلام أمام سحرة آل فرعون، حيث كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى…
قوله: (حد الساحر ضربة بالسيف). حده يعني: عقوبته المحددة شرعاً.
وظاهره أنه لا يكفر، لأن الحدود تطهر المحدود من الإثم.
والكافر إذا قتل على ردته، فالقتل لا يطهره.
وهذا محمول على ما سبق: أن من أقسام السحر ما لا يخرج الإنسان عن الإسلام، وهو ما كان بالأدوية والعقاقير التي توجب الصرف والعطف وما أشبه ذلك.
قوله: (ضربة بالسيف). روي بالتاء بعد الباء، وروي بالهاء، وكلاهما صحيح، لكن الأولى أبلغ، لأن التنكير وصيغة الوحدة يدلان على أنها ضربة قوية قاضية.
وفي (صحيح البخاري) عن بجالة بن عبدة، قال: ((كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة)). قال: ((فقتلنا ثلاث سواحر)) (1) .
هذا كناية عن القتل، وليس معناه أن يضرب بالسيف مع ظهره مصفحاً….
وهذا القتل هل هو حد أم قتله لكفره؟
يحتمل هذا وهذا بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر فقتله من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام.
والحاصل: أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل، لأنهم يمرضون ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس، فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم، فإن بعضهم قد يسحر أحداً ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً، فكان واجباً على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة مادام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم، فإن الحد لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد.
وصح عن حفصة رضي الله عنها، (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت) (2) . وكذلك صح عن جندب (3) . قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم).
وهم: عمر، وحفصة، وجندب الخير، أي: صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية، لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم، لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر. (69)
وقال ابن هبيرة: (اختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: – يكفر بذلك، إلا أن من أصحاب أبي حنيفة من فصل ذلك، فقال إن تعلمه ليتقه أو ليتجنبه فلا يكفر بذلك، وإن تعلمه معتقداً لجوازه أو معتقداً أنه ينفعه فإنه يكفر، ولم ير الإطلاق، وإن اعتقد أن الشياطين تفعل ما يشاء فهو كافر، وقال الشافعي: – إذا تعلم السحر قلنا له صف سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر بمثل ما اعتقد أهل بابل من التقرب إلى الكواكـب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر) (4) .
أما القائلون بتكفير الساحر، فنورد أمثلة من أقوالهم على النحو التالي:-
… يقول الدردير المالكي: (فقول الإمام رضي الله عنه: – إن تعلم السحر وتعليمه كفر، وإن لم يعمل به، ظاهر في الغاية إذ تعظيم الشياطين ونسبة الكائنات إليها لا يستطيع عاقل يؤمن بالله أن يقول فيه: إنه ليس بكفر) (5) .
وقال الخرشي: (والمشهور أن تعلم السحر كفر، وإن لم يعمل به) (6) .
وقال ابن قدامة: ( إن تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته، وروي عن الإمام أحمد ما يدل على أنه لا يكفر (7) (8) .
وقال مرعي الكرمي: (فساحر يركب المكنسة فتسير به في الهواء، أو يدعي أن الكواكب تخاطبه كافر، كمعتقد حله، لا من يسحر بأدوية وتدخين وسقي شيء يضر، ويعزر بليغاً) (9) .
وجاء في الإنصاف: (الساحر الذي يركب المكنسة، فتسير به في الهواء ونحوه، كالذي يدعي أن الكواكب تخاطبه يكفر ويقتل، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب… وعنه: لا يكفر..
فأمـا الذي يسحـر بالأدوية، والتدخين، وسقـي شـيء يضر، فلا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر. هذا المذهب… ) (10) .
وأما الفريق الآخر، فهذا الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول: (والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه، فإن تاب وإلا قتل وأخذ ماله فيئاً، وإن كان ما يسحر به كلاماً لا يكون كفراً، وكان غير معروف ولم يضر به أحد نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن كان يعمل عملاً إذا عمله قُتِل المعمول به، وقال عمدت قتله، قتل به قوداً، إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته…) (11) .
وإذا تأملنا القولين فلا اختلاف معنوي بينهما، فعند التفصيل يزول الإشكال وتجتمع الأدلة، وكما قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله – (وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف، فإن من لم يكفر لظنه أنه يتأتى بدون الشرك وليس كذلك بل لا يأتي السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشيطان والكواكب، ولهذا سماه الله كفراً في قوله: – إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [البقرة:102]
وأما سحر الأدوية والتدخين ونحوه فليس بسحر، وإن سمي سحراً فعلى سبيل المجاز كتسمية القول البليغ والنميمة سحراً، ولكنه يكون حراماً لمضرته، ويعزر من يفعله تعزيراً بليغاً) (12) .
وقال الشنقيطي: (التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل، فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة فإنه كفر بلا نزاع،كما دل عليه قوله تعالى: – وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة: 102], وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها، فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر) (13) .
وللإمام النووي رحمه الله تعالى عبارة جامعة في حكم السحر حيث قال: –
(قد يكون (السحر) كفراً، وقد لا يكون كفراً بل معصيته كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر وإلا فلا، وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب…) (14) .
وإن السحر الذي يعد كفراً، قد يقع قولاً باللسان، أو اعتقاداً بالقلب، أو عملاً بالجوارح، ونورد أمثلة على ذلك:
فمنه السحر الذي لا يتأتى إلا عن طريق الشياطين، كأن يستغيث بهم، ويدعوهم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وينطق بكلمة الكفر من أجل رضاهم والاستمتاع بهم، أو يعتقد نفعهم وضرهم بغير إذن الله تعالى، أو يذبح لتلك الشياطين ونحوهم ويتقرب إليهم، أو يهين ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، أو يدعي لنفسه أو لشياطينه علم الغيب ومشاركة الله في ذلك.
4 – وأما وجه كون هذا السحر كفراً فذلك لعدة اعتبارات منها:-
(أ) قوله تعالى: – وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:102- 103].
فيستدل بهذه الآيات على كفر الساحر من وجوه:-
1 – قوله تعالى: – وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ
فظاهر هذا أنهم إنما كفروا بتعليمهم السحر؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته، فصرحت الآية بكفر الشياطين منوطاً بتعليم السحر للناس (15) .
2 – قوله تعالى: – وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ يعني من حظ ولا نصيب.
يقول الشيخ حافظ الحكمي – في ذلك –: (وهذا الوعيد لم يطلق إلا فيما هو كفر لا بقاء للإيمان معه، فإنه ما من مؤمن إلا ويدخل الجنة، وكفى بدخول الجنة خلاقاً، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة) (16) .
3 – قوله تعالى: – وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ..
يقول الجصاص – عن هذه الآية -: (فجعل ضد هذا الإيمان فعل السحر؛ لأنه جعل الإيمان في مقابلة فعل السحر، وهذا يدل على أن الساحر كافر، فإذا ثبت كفره، فإن كان مسلماً قبل ذلك، فقد كفر بفعل السحر، فاستحق القتل) (17) .
يقول ابن كثير: (وقد استدل بقوله وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا.. من ذهب إلى تكفير الساحر) (18) .
ويقول الحكمي – عن هذا الدليل -: (وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر، ونفي الإيمان عنه بالكلية، فإنه لا يقال للمؤمن المتقي: ولو أنه آمن واتقى، وإنما قال تعالى ذلك لمن كفر، وفجر، وعمل بالسحر، واتبعه، وخاصم به رسوله، ونبذ الكتاب وراء ظهره) (19) .
(ب) قوله تعالى: – وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69]
ومما قاله الشنقيطي – رحمه الله – في هذه الآية:-
(إن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم… فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى الآية يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله حَيْثُ أَتَى وذلك دليل على كفره؛ لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر.
ويدل على ذلك أنه عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظة لا يفلح يراد بها الكافر كقوله تعالى في سورة يونس: – قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [يونس:68 – 70].
وقوله في الأنعام: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 21]) (20) .
(ج) أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن السحر بالشرك، وفي بعض الأحاديث سماه شركاً، وحكم صلى الله عليه وسلم بالكفر على من أتى ساحراً فصدقه، كما تبرأ صلى الله عليه وسلم من الساحر والمسحور.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: – ((اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر.. الحديث)) (21) ”
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ((من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه)) (22) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: – سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)). (23) .
(والتولة ضرب من السحر، قال الأصمعي: – وهو الذي يحبب المرأة إلى زوجها) (24) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: – ((من أتى عرافاً، أو ساحراً، أو كاهناً فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)). (25) .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له..)) الحديث (26)
(د) أن الصحابة رضي الله عنهم أمروا بقتل أولئك السحرة، وقد تقرر شرعاً أن دماء المسلمين محظورة إلا ما استثناه الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)). (27) .
وليس الساحر زانياً محصناً، ولا قاتل نفس، فتعين أن يكون كافراً مرتداً.
يقول ابن تيمية: (أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجندب بن عبدالله…) (28) .
فمن هذه الآثار ما جاء (عن بجالة بن عبدة (29) أنه قال: (كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر). (30) .
يقول ابن قدامة – معلقاً على هذا الأثر: (وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعاً).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال إن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها سحرتها جارية لها، فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنه، فقال: جاريتها سحـرتها أقرت بالسحر وأخرجـته، قـال: فكف عثمان رضي الله عنه، قال إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره (31) .
وعن جندب الخير رضي الله عنه قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) (32) .
وقتل جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ساحراً كان عند الوليد بن عقبه (33) .
وأما ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما عندما باعت جارية مدبرة سحرتها، فيحمل على أن سحرها من قبيل الأدوية الضارة، والتدخينات المؤذية، كي تموت أم المؤمنين، فيتحقق عتقها، ولذا أمرت عائشة رضي الله عنها بعقاب تلك الجارية بنقيض قصدها، كما هو ظاهر في الحديث التالي:-
فعن عمرة قالت: – ((اشتكت عائشة فطال شكواها، فقدم إنسان المدينة يتطبب فذهب بنو أخيها يسألونه عن وجعها، فقال: والله إنكم تنعتون نعت امرأة مطبوبة (34) ، قال هذه امرأة مسحورة سحرتها جارية لها، فقالت: نعـم (35) أردت أن تمـوتي فأعتق، قال وكانت مدبرة، قالت: فبيعوها في أشد العرب ملكة (36) ، واجعلوا ثمنها في مثلها)) (37) .).
وقد أجاب الإمام الشافعي عن هذا الأثر قائلاً:-
(وأما بيع عائشة الجارية ولم تأمر بقتلها، فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها؛ لأن لها بيعها عندنا، وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك، ما تركت قتلها إن لم تتب، أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها) (38) .
(هـ) أن السحر الذي يعد كفراً يتضمن أنواعاً كثيرة من المكفرات الاعتقادية والقولية والعملية، كأن يعتقد نفع الشياطين وضررهم بغير إذن الله تعالى، أو يعتقد أن الكواكب مدبرةً لأمر العالم، أو ينطق بكلمة الكفر كسب الله تعالى، أو الاستهزاء برسوله صلى الله عليه وسلم.
كما يتضمن هذا السحر شركاً في توحيد العبادة، فمن ذلك أن يدعو غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو يستعيذ بالشياطين أو يذبح لهم، أو يتقرب إليهم بالنذور.
وقد أورد القرافي أمثلة للكفر التي يتضمنها هذا السحر فقال: –
(هذه الأنواع قد تقع بلفظ هو كفر، أو اعتقاد هو كفر، أو فعل هو كفر، فالأول كالسب المتعلق بمن سبه كفر، والثاني كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها بالربوبية، والثالث كإهانة ما أوجب الله تعالى تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، فهذه الثلاثة متى وقع شيء منها في السحر، فذلك السحر كفر لا مرية فيه) (39) .
ويذكر ابن حجر الهيتمي أنواعاً من الكفر تندرج في هذا السحر فيقول:-
(إن اشتمل (السحر) على عبادة مخلوق كشمس، أو قمر، أو كوكب أو غيرها، أو السجود له، أو تعظيمه كما يعظم الله تعالى، أو اعتقاد أن له تأثيراً بذاته، أو تنقيص نبي، أو ملك… كان كفراً وردة) (40) .
ويبين الشيخ السعدي وجه إدخال السحر في الشرك قائلاً: –
(السحر يدخل في الشرك من جهتين: – من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك، وذلك من شعب الشرك والكفر) (41) .
5 – واستكمالاً لهذا المبحث نورد جملة من كلام العلماء في معنى السحر وحكمه. يقول الخطابي: ( والسحر من عمل الشيطان يفعله في الإنسان بنفثه ونفخه وهمزه ووسوسته، ويتلقاه الساحر بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فإذا تلقاه عنه، استعمله في غيره بالقول والنفث في العقد) (42) .
وقال شيخ الإسلام الصابوني: (ومن سحر منهم واستعمل السحر، واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله فقد كفر بالله جل جلاله، وإذا وصف ما يكفر به استتيب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإن وصف ما ليس بكفر، أو تكلم بما لا يفهم نهي عنه، فإن عاد عزر، وإن قال السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته وجب قتله؛ لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه) (43) .
ويقول ابن العربي: (إن الله سبحانه قد صرح في كتابه بأن السحر كفر؛ لأنه تعالى قال: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ من السحر، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ بقول السحر، وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ به وبتعليمه، وهاروت وماروت يقولان ” إنما نحن فتنة فلا تكفر وهذا تأكيد للبيان) (44) .
وقال ابن الشاط: (فالذي يستقيم في هذه المسألة: ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله تعالى به، أو يكون سحراً مشتملاً على كفر كما قال الشافعي) (45) .
ويقول القرطبي: (قوله تعالى: – وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ تبرئة من الله لسليمان، ولم يتقدم في الآية أن أحداً نسبه إلى الكفر، ولكن اليهود نسبته إلى السحر، ولما كان السحر كفراً صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر، ثم قال وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ فأثبت كفرهم بتعليم السحر) (46) .
وقال النووي: (والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح… كالسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها…) (47) .
ويقول ابن تيمية: (إذا تقرب صاحب العزائم وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إلى الشياطين بما يحبون من الكفر والشرك، صار ذلك كالرشوة لهم، فيقضون بعض أغراضه، كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله… ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله بالنجاسة، وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، إما حروف الفاتحة، وإما حروف قل هو الله أحد وإما غيرهما.. فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين، أعانتهم على بعض أغراضهم…) (48) .
ويقول السبكي: – وأما مذهب الشافعي فحاصله أن السحر له ثلاثة أحوال: حال يقتل كفراً، وحال يقتل قصاصاً، وحال لا يقتل أصلاً بل يعزر، أما الحالة التي يقتل فيها كفراً، فقال الشافعي رحمه الله: – أن يعمل بسحره، ما يبلغ الكفر، وشرح أصحابه ذلك بثلاثة أمثلة: – أحدهما أن يتكلم بكلام هو كفر ولا شك في أن ذلك موجب للقتل.
المثال الثاني: – أن يعتقد ما اعتقده من التقريب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل بأنفسها فيجب عليه أيضاً القتل.
المثال الثالث: – أن يعتقد أنه يقدر به علـى قلب العيان، فيجب عليه القتل كما قاله القاضي حسين والماوردي) (49) .
ويقول الذهبي: (إن الساحر لابد وأن يكفر، قال الله تعالى: – وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102]، وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به.
فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر ويظنون أنه حرام فقط، وما يشعرون أنه الكفر، فيدخلون في تعلم السيمياء (50) وعملها، وهي محض السحر، وفي عقد المرء عن زوجته وهو سحر، وفي محبة الزوج لامرأته وفي بغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال. وحد الساحر القتل؛ لأنه كفر بالله أو ضارع الكفر… فليتق العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة) (51) .
ويقول البيضاوي: (قوله تعالى وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ تكذيب لمن زعم ذلك، وعبر عن السحر بالكفر ليدل على أنه كفر، وأن من كان نبياً كان معصوماً عنه..) (52) .
وقال الحافظ ابن حجر: (وقد استدل بهذه الآية: وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه… كالتعبد للشياطين، أو للكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً.
– إلى أن قال – وفي إيراد المصنف (البخاري) هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر لقوله فيها: – وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر، فيكون العمل به كفراً، وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه، وقد زعم بعضهم أن السحر لا يصح إلا بذلك، وعلى هذا فتسميته ما عدا ذلك سحراً مجاز) (53) .
وقال الدردير: (وسحر فيكفر بتعلمه، وهو كلام يعظم به غير الله تعالى، وينسب إليه المقادير، ثم إن تجاهر به فيقتل إن لم يتب، وإن أسره فحكم الزنديق، يقتل بدون استتابة، وشهر بعضهم عدم الاستتابة مطلقاً) (54) .
وذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب السحر من نواقض الإسلام فقال: –
(السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر) (55) (70)
يقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في شرحه لمنظومة سلم الوصول:
وَالسِّحْرُ حَقٌّ وَلَهُ تَأْثِيرُ لَكِنْ بِمَا قَدَّرَهُ الْقَدِيرُ
أَعْنِي بِذَا التَّقْدِيرِ مَا قَدْ قَدَّرَهْ فِي الْكُوْنِ لاَ فِي الشِّرْعَةِ الْمُطَّهَرَة
(والسحر حق) يعني متحقق وقوعه ووجوده، ولو لم يكن موجوداً حقيقة لم ترد النواهي عنه في الشرع والوعيد على فاعله والعقوبات الدينية والأخروية على متعاطيه والاستعاذة منه أمراً وخبراً. وقد أخبر الله تعالى أنه كان موجوداً في زمن فرعون وأنه أراد أن يعارض به معجزات نبي الله موسى عليه السلام في العصا بعد أن رماه هو وقومه به بقولهم: إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ – إلى قوله – وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [الشعراء:34-37] وقال تعالى عن السحرة: فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] وقال تعالى: فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:66-69] يقال إنهم كانوا سبعين ألفاً مع كل واحد منهم حبل وعصا فأخذوا بأبصار الناس بسحرهم وألقوا تلك الحبال والعصى فرآها الناس حيات عظاماً ضخاماً وذلك قوله تعالى: سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ وقوله: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى قال الله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ [طه:67-69] يعني العصا تَلْقَفْ تبتلع مَا صَنَعُوا أي السحرة أي ما اختلقوا وائتفكوا من الزور التخييل، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الأعراف:117] وهون الله أمرهم على نبيه موسى عليه السلام بقوله سبحانه: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ مكره وخداعه وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ [الأعراف:119] إلى آخر الآيات، وقد أخبر الله تعالى عن قوم صالح وكانوا قبل إبراهيم عليه السلام أنهم قالوا لنبيهم عليه السلام: إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشعراء: 153] وكذا قام قوم شعيب له عليه السلام: إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وقالت قريش لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ذكر الله تعالى ذلك عنهم في غير موضع بل ذكر الله عز وجل أن ذلك القول تداوله كل الكفار لرسلهم فقال تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ [الذاريات:52] الآية، وقال سبحانه في ذم اليهود: وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:101-102] وقال تعالى: وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] والنفاثات هن السواحر يعقدن وينفثن. والمقصود أنه قد ثبت بهذه النصوص وغيرها مما سنذكر ومما لا نذكر أن السحر حقيقة وجوده.
(وله تأثير) فمنه ما يمرض ومنه ما يقتل ومنه ما يأخذ بالعقول ومنه ما يأخذ بالأبصار ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، (لكن) تأثيره ذلك إنما هو (بما قدَّره القدير) سبحانه وتعالى، أي بما قضاه وقدره عندما يلقى الساحر ما ألقى، ولذا قلنا (أعني بذا التقدير) في قوله بما قدره القدير (ما قد قدره في الكون) وشاءه (لا) أنه أمر به (في الشرعة) التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه (المطهرة)، من ذلك وغيره كما تقدم أن القضاء والأمر والحكم والإرادة كل منها ينقسم على كوني وشرعي، فالكوني يشمل ما يرضاه الله ويحبه شرعاً، وما لا يرضاه في الشرع ولا يحبه، والشرعي يختص بمرضاته سبحانه وتعالى ومحابه، ولهذا قال تعالى في الشرعي: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] وقال عز وجل: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7] فأخبر تعالى أنه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر وأنه يرضى لهم الشكر ولا يرضى لهم الكفر، مع كون كل من العسر واليسر والشكر والكفر واقع بقضاء الله وقدره وخلقه وتكوينه ومشيئته، قال الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62] وقال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] والمقصود أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعاً ولا ضراً وإنما يؤثر بقضاء الله تعالى وقدره، وخلقه وتكوينه، لأنه تعالى خالق الخير والشر، والسحر من الشر، ولهذا قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ [البقرة:102] وهو القضاء الكوني القدري، فإن الله تعالى لم يأذن بذلك شرعاً، وقد ثبت في (الصحيحين) من طرق عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله عز وجل ودعاه ثم قال: أشعرت يا عائشة، إن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فبماذا؟ قال: مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر. قال: فأين؟ قال: في بئر ذي أروان. قال فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البشر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفأخرجته: قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله عز وجل وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شراً وأمر بها فدفنت)) (56) . وفي رواية قال: ((ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً. قال وفيم؟ قال في مشط ومشاقة. قال: وأين؟ قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان – وذكره –)) (57) هذا لفظ البخاري المشاطة ما يخرج من الشعر، والمشط أسنان ما يمشط به، والمشاقة من مشاقة الكتان، وجف طلعة غشاؤها وهو الوعاء الذي يكون فيه الطلع، تحت راعوفة هو حجر يترك في البئر عند الحفر ثابت لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقى، وقيل حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي، وقيل حجر بارز من طيها يقف عليها المستقي والناظر فيها، وقيل في أسفل البئر يجلس عليه الذي ينظفها لا يمكن قلعه لصلابته. والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في (شرح مسلم): قال المازري رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافاً لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله تعالى في كتابه وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له، وهذا الحديث أيضاً مصرح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه فإحالة كونه من الحقائق محال، ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه وتعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوى على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر، وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالأدوية الحادة ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوي قتاله أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة. قال: ومن أنكر من بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر فزعم أنه يحط من منصب النبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وصحته، وعصمته صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل. فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلاً من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، وقد قيل إنه إنما كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعل وما فعله، ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده. ويكون معنى قوله في الحديث حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، ويروى يخيل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن، فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور. وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا كالخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الضلالة والله أعلم ا. هـ. قلت: قول المازري خلافاً لمن أنكر ذلك، قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى: أجمعوا على أن السحر له حقيقة، إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا حقيقة له عنده. ثم ذكر الاختلاف في حكم الساحر، وقال القرطبي رحمه الله تعالى: وعندنا أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافاً للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفراييني حيث قالوا إنه تمويه وتخييل اهـ.
قلت: قد ثبت وتقرر من هذا وغيره تحقق السحر وتأثيره بإذن الله بظواهر الآيات والأحاديث وأقوال عامة الصحابة، وجماهير العلماء بعدهم رواية ودراية، فأما القتل به والأمراض والتفرقة بين المرء وزوجه وأخذه بالأبصار فحقيقة لا مكابرة فيها، وأما قلب الأعيان كقلب الجماد حيواناً وقلب الحيوان من شكل إلى آخر فليس بمحال في قدرة الله عز وجل ولا غير ممكن، فإنه هو الفاعل في الحقيقة وهو الفعال لما يريد، فلا مانع من أن يحول الله ذلك عندما يلقى الساحر ما ألقى امتحاناً وابتلاء وفتنة لعباده، ولكن الذي أخبرنا الله تعالى به في الواقع من سحرة فرعون في قصتهم مع موسى إنما هو التخييل والأخذ بالأبصار حتى رأوا الحبال والعصي حيات، فنؤمن بالخبر ونصدقه ولا نتعداه ولا نبدل قولاً غير الذي قيل لنا ولا نقول على الله ما لا نعلم. وبالله التوفيق.
وَاحْكُمْ عَلَى السَّاحِرِ بِالتَّكْفِيرِ وَحَدُّهُ الْقَتْلُ بِلاَ نَكِيرِ
كَمَا أَتَى فِي السُّنَّةِ الْمُصَرَّحَةْ مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهْ
عَنْ جُنْدُبٍ وَهَكَذَا فِي أَثَرْ أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ رُوِيَ عَنْ عُمَرْ
وَصَحَّ عَنْ حَفْصَةَ عِنْدَ مَالَكِ مَا فِيهِ أَقوَى مُرْشِدٍ للسَّالِكِ
– حكم الساحر:
(واحكم على الساحر) تعلَّمه أو علَّمه عمل به أو لم يعمل (بالتكفير) أي بأنه كفر بهذا الذنب الذي هو السحر، وذلك واضح صريح في آية البقرة بأمور:
منها سبب عدول اليهود إليه وهو نبذهم الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم: وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [البقرة:101] سواء أريد بالكتاب التوراة التي بأيديهم أو القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، كل ذلك نبذه كفر، وقد علم أن السحر لا يعمل إلا مع من كفر بالله، وهذا معلوم من سبب نزول الآية كما قال الربيع بن أنس وغيره: إن اليهود سألوا محمداً صلى الله عليه وسلم زماناً عن أمور التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله سبحانه وتعالى ما سألوه عنه فيخصمهم، فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل إلينا منا، وأنهم سألوه عن السحر وخاصموه به فأنزل الله عز وجل: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] الآيات.
ومنها قوله: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ تتقوله وتزوره عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ أي في ملكه وعهده، ومعلوم أن استبدال ما تتلوه الشياطين وتتقوله والانقياد له والعمل به عوضاً عما أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم هذا من أعظم الكفر، وهو من عبادة الطاغوت التي هي أصل الكفر، وقد سمى الله تعالى طاعة العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله، سمى ذلك عبادة وأنه اتخاذ لهم أرباباً من دون الله فقال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ [التوبة:31] الآية، قال عدي بن حاتم رضي الله عنه حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوها: إنا لسنا نعبدهم، قال: ((أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟)) قال بلى. قال: ((فتلك عبادتكم إياهم)) (58) ، ولهذا قال تعالى بعدها: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] فإذا كان هذا في طاعة الأحبار والرهبان فكيف في طاعة الشيطان فيما ينافي الوحي، فهل فوق هذا الشرك من كفر؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ وعبادة الشيطان هي اتباعه فيما أمر به من الكفر والضلال ودعا إليه، كما قال عز وجل فيه إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وكما يقول للمجرمين يوم القيامة: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس:60-62].
ومنها قوله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ، برَّأ الله سبحانه وتعالى نبيه عليه السلام من الكفر، وهذا الكفر الذي برأه الله تعالى منه هو علم الساحر وعمله، وإن كان بريئاً من الكفر كله كان معصوماً مما هو دونه، لكن سياق الآية في خصوص السحر وأنه بريء منه، ولو فرض وجود عمله به لكفر لأنه شرك والشرك أقبح الذنوب وأعظم المحبطات للأعمال كما قال تعالى في جميع رسله سليمان وغيره عليهم السلام بعد أن ذكرهم: ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وهذا معلوم من أصل القصة فإن اليهود قاتلهم الله تلقوا السحر عن الشياطين ونسبوه إلى سليمان عليه السلام، فبرأه الله تعالى من إفكهم بهذه الآية، كما قال مجاهد رحمه الله تعالى في هذه الآية: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ قال: كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها، فأرسل سليمان عليه السلام إلى ما كتبوا من ذلك، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين وعلمته الناس وهو السحر. وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: كان سليمان عليه السلام يتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم فيدفنه تحت كرسيَّهِ في بيت خزانته فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه، فدنت إلى الإنس فقالوا لهم: أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك؟ قالوا نعم. قالوا فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه، فاستثار به الإنس واستخرجوه وعملوا به، فقال أهل الحجاز – يعني اليهود من أهل الحجاز – كان سليمان يعمل بهذا وهو سحر، فأنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم براءة سليمان عليه السلام فقال تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وقال محمد بن إسحاق بن يسار: (عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليهما السلام فكتبوا أصناف السحر، من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا وكذا، حتى إذا صنفوا السحر جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم على نقش خاتم سليمان وكتبوا في عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، ثم دفنوه تحت كرسيه واستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حتى أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا والله ما كان ملك سليمان إلا بهذا، فأفشوا السحر في الناس فتعلموه وعلموه، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود لعنهم الله، فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نزل عليه من الله سليمان بن داود وعده فيمن عد من المرسلين قال من كان بالمدينة من اليهود: تعجبون من محمد يزعم أن ابن داود كان نبياً، والله ما كان إلا ساحراً. وأنزل الله تعالى في ذلك: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) [البقرة: 102], الآية) (59) . وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه. فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل به. قال فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماء الناس، فلم يزل جهال الناس يسبونه حتى أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) (60) وتفاسير السلف وآثارهم في هذه الآية كثيرة جداً، وما كان منه إسرائيلياً فهو من القسم المقبول لموافقته ظاهر الآية في أن اليهود تعلموا السحر من الشياطين ورموا به نبي الله سليمان وأكفروه به وسبوه، وخاصموا به محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فبين الله تعالى ما لبسوه وهدم ما أسسوه وبرأ نبيه سليمان عليه السلام مما ائتفكوه وأقام الحجة عليهم في بطلان ما انتحلوه فلله الحمد والمنة.
ومنهـا قوله تعالى: وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] أكذب الله تعالى اليهود فيما نسبوه إلى نبيه سليمان عليه السلام بقوله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وهم إنما نسبوا السحر إليه، ولازم ما نسبوه إليه هو الكفر لأن السحر كفر، ولهذا أثبت كفر الشياطين بتعليمهم الناس السحر فقال تعالى: وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس، إذ لا فرق بينه وبينهم، بل هو تلميذ الشيطان وخريجه، عنه روى وبه تخرج وإياه اتبع، ولهذا قال تعالى في الملكين: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فبين تعالى أنه بمجرد تعلمه يكفر سواء عمل به وعلمه أو لا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فإذا أتاهما علما الخير والشر والكفر والإيمان فعرفا أن السحر من الكفر، قال فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتى عاين الشيطان فعلمه، فإذا تعلمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعاً في السماء فيقول: يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع)) (61) . وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: ((نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله تعالى أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)) (62) ، وقال قتادة كان أخذ عليهما أن لا يعلما أحداً حتى يقولا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ أي بلاء ابتلينا به فَلاَ تَكْفُرْ وقال السدي إذا أتاهما إنسان يريد السحر وعظاه وقالا له: لا تكفر إنما نحن فتنة، فإذا أبى قالا له ائت هذا الرماد فبل عليه فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء وذلك الإيمان، وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شيء وذلك غضب الله، فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر فذلك قول الله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ الآية. وعن ابن جريج في هذه الآية: لا يجترئ على السحر إلا كافر، والفتنة هي المحنة والاختبار.
ومنها قوله تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:102].
ومنها قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن واتَّقَوْا السحر وسائر الذنوب وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ [البقرة:103] وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر ونفي الإيمان عنه بالكلية، فإنه لا يقال للمؤمن المتقي: ولو أنه آمن واتقى، وإنما قال تعالى ذلك لمن كفر وفجر وعمل بالسحر واتبعه وخاصم به رسوله ورمى به نبيه ونبذ الكتاب وراء ظهره، وهذا ظاهر لا غبار عليه والله أعلم. وقد صرح بذلك أئمة السلف من الصحابة والتابعين، وإنما اختلفوا في القدر الذي يصير به كافراً، والصحيح أن السحر المتعلم من الشياطين كله كفر قليله وكثيره كما هو ظاهر القرآن.
– عقوبة الساحر شرعاً ووعيداً:
(وحده) أي حدُّ الساحر (القتل) ضربة بالسيف (بلا نكير) بل هو ثابت بالكتاب من عموم النصوص في الكفار المرتدين وغيرهم (كما أتى) ثابتاً (في السنة المصرحة) الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم (مما رواه الترمذي) محمد بن عيسى بن سورة بمهملتين ابن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الترمذي الحافظ الضرير أحد الأعلام وصاحب الجامع والتفسير عن خلق مذكورين في تراجمهم من جامعه وغيره، وعنه محمد بن إسماعيل السمرقندي وحماد بن شكر وأبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي راوي الجامع والهيثم بن كليب وخلق من أهل سمرقند ونسف وتلك الديار، وقال ابن حبان كان ممن جمع وصنف، قال أبو العباس المستغفري مات سنة تسع وسبعين ومائتين، مرفوعاً (وصححه) موقوفاً (عن جندب) هو ابن عبد الله بن سفيان البجلي العلقمي أو العلقي له ثلاثة وأربعون حديثاً اتفقا على سبعة وانفرد مسلم بخمسة. روى عنه الحسن وابن سيرين وأبو مجلز، مات بعد الستين، قال رحمه الله تعالى: (باب ما جاء في حد الساحر حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حد الساحر ضربة بالسيف)) (63) , هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع هو ثقة ويروي عن الحسن أيضاً والصحيح عن جندب موقوفاً والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول مالك بن أنس، وقال الشافعي: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل من سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عملاً دون الكفر فلم ير عليه قتلاً. ويعني بقوله: ما يبلغ الكفر أي ما كان فيه اعتقاد التصرف لغير الله وصرف العبادة له كما يفعله عباد هياكل النجوم من أهل بابل وغيرهم والله أعلم. (وهكذا في أثر أمر بقتلهم) يعني السحرة (روي عن عمر) ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي أبي حفص المدني أحد فقهاء الصحابة ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأول من سمي أمير المؤمنين، له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثاً اتفقا على عشرة وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر، وعنه أبناؤه عبد الله وعاصم وعبيد الله وعلقمة بن أبي وقاص وغيرهم، شهد بدراً والمشاهد والمواقف، وولي أمر الأمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما وفتح في أيامه عدة أمصار، أسلم بعد أربعين رجلاً، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ((إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه)) (64) , ولما دفن قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((ذهب اليوم بتسعة أعشار العلم)) (65) . استشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين ودفن في أول سنة أربع وعشرين في الحجرة النبوية وهو ابن ثلاث وستين وصلى عليه صهيب، ومناقبه جمة قد أفردت في مجلدات. وهذا الأثر المشار إليه في الباب هو ما رواه الإمامان الجليلان أحمد بن حنبل الشيباني ومحمد بن إدريس الشافعي رحمهما الله تعالى قالا: أخبرنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة بن عبدة يقول كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال فقتلنا ثلاث سواحر (66) .
(وصح) نقلاً (عن حفصة) بنت عمر بن الخطاب العدوية أم المؤمنين رضي الله عنها (عند مالك) بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي أبي عبد الله المدني أحد الأعلام في الإسلام وإمام دار الهجرة، ولد سنة ثلاث وتسعين وحمل به ثلاث سنين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ورضي عنه (ما) أي الذي (فيه أقوى) دليل (مرشد للسالك) وهو ما رواه في موطأه في باب ما جاء في الغيلة والسحر من كتاب العقول: عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه (أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت) (67) ، قال مالك: (الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيره، هو مثل الذي قال الله تعالى في كتابه: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه) اهـ. قال ابن كثير رحمه الله: (وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله، يحيي الموتى! ورآه رجل من صالح المهاجرين فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر وقال: إن كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء: 3] فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ثم أطلقه والله أعلم). وقال الإمام أبو بكر الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي أخبرنا يحيى بن سعيد حدثني أبو إسحاق عن حارثة فقال: (كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فجاء جندب مشتملاً على سيفه فقتله، قال أراه كان ساحراً). وحمل الشافعي رحمه الله تعالى قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً. والله أعلم. (68) …
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا، فأما إن قُتل بسحره إنسان فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا فإنه يقتل حداً عندهم، إلا الشافعي فإنه قال يقتل والحالة هذه قصاصاً. قال وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية: تقبل، وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة إنه يقتل كما يقتل الساحر إذا كان مسلماً، وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يقتل يعفى لقصة لبيد بن الأعصم. واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة إنها لا تقتل ولكن تحبس، وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل والله أعلم). وقال أبو بكر الخلال أخبرنا أبو بكر المروزي قال قرأ علي أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: عمر بن هارون أخبرنا يونس عن الزهري قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها. وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال في الذمي: يقتل إن قتل سحره. وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر أحداً. الأولى أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل. والثانية أنه يقتل وإن أسلم. وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفراً كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم لقوله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة: 102], لكن قال مالك: إذا ظهر عليه لم تقبل توبته لأنه كالزنديق، فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائباً قبلناه، فإن قتل بسحره قتل، قال الشافعي: فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطئ عليه الدية. (71)
https://www.dorar.net/aqadia/3643/ثانيا:-حكم-السحر