سحرة فرعون وسحر التمويه والتخييل ـ تفسير الإمام القرطبي
مسألة: الجزء الثالث
التحليل الموضوعي
( وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ( 113 ) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( 114 ) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ( 115 ) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ( 116 ) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ( 117 ) )
( وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ ) وَاجْتَمَعُوا ، ( قَالُوا ) لِفِرْعَوْنَ ( إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا ) أَيْ جُعْلًا وَمَالًا [ ص: 265 ] ( إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ) قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَحَفْصٌ : ” إِنَّ لَنَا ” عَلَى الْخَبَرِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ مُسْتَفْهِمٌ .
( قَالَ ) فِرْعَوْنُ ( نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) فِي الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ عِنْدِي مَعَ الْأَجْرِ ، قَالَ الْكَلْبِيُّ : يَعْنِي أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ وَآخِرَ مَنْ يَخْرُجُ .
( قَالُوا ) يَعْنِي السَّحَرَةَ ( يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ) عَصَاكَ ( وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ) لِعِصِيِّنَا وَحِبَالِنَا .
( قَالَ ) مُوسَى بَلْ ( أَلْقُوا ) أَنْتُمْ ، ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ ) أَيْ : صَرَفُوا أَعْيُنَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ ، وَهَذَا هُوَ السِّحْرُ ، ( وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ) أَيْ : أَرْهَبُوهُمْ وَأَفْزَعُوهُمْ ، ( وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طِوَالًا فَإِذَا هِيَ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ قَدْ مَلَأَتِ الْوَادِي يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا . وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مِيلَا فِي مِيلٍ صَارَتْ حَيَّاتٍ وَأَفَاعِيَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ .
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ) فَأَلْقَاهَا فَصَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً حَتَّى سَدَّتِ الْأُفُقَ . قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : كَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ . وَيُقَالُ : بَلَغَ ذَنَبُ الْحَيَّةِ مِنْ وَرَاءِ الْبُحَيْرَةِ ثُمَّ فَتَحَتْ فَاهَا ثَمَانِينَ ذِرَاعًا ، ( فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ ) قَرَأَ حَفْصٌ : ” تَلْقَفُ ” سَاكِنَةَ اللَّامِ ، خَفِيفَةً ، حَيْثُ كَانَ ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ : بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ ، أَيْ : تَبْتَلِعُ ، ( مَا يَأْفِكُونَ ) يَكْذِبُونَ مِنَ التَّخَايِيلِ وَقِيلَ : يُزَوِّرُونَ عَلَى النَّاسِ . فَكَانَتْ تَلْتَقِمُ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى ابْتَلَعَتِ الْكُلَّ وَقَصَدَتِ الْقَوْمَ الَّذِينَ حَضَرُوا فَوَقَعَ الزِّحَامُ عَلَيْهِمْ فَهَلَكَ مِنْهُمْ فِي الزِّحَامِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا ، ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَصَارَتْ عَصًا كَمَا كَانَتْ .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=541&idto=541&bk_no=51&ID=5 31