علماء ومختصون: متطفلون حوَّلوا “تفسير الأحلام” لتجارة فاسدة .
علماء ومختصون: متطفلون حوَّلوا “تفسير الأحلام” لتجارة فاسدة
ريم سليمان، دعاء بهاء الدين- سبق- جدة: زادت في الآونة الأخيرة فوضى تفسير الأحلام بشكل لافت، حتى تحولت إلى تجارة مربحة لبعض الفضائيات، التي باتت تلعب بقلوب الملايين من خلال تفسيرات وهمية؛ ما جعل المختصين يحذرون من الانجراف بلا وعي إلى عالم الغيبيات، لافتين إلى وجود مدعين وجهلاء، ومؤكدين أن جهل المتلقي بات بيئة خصبة لمدعي تفسير الأحلام، الذين يرتكبون أخطاء فادحة قد تؤدي إلى التفريق بين الزوجَيْن، وطالبوا بمنح شهادات معتمدة للمعبِّرين؛ للقضاء على هذه الفوضى.
حُلْم دمَّر حياتي
إحدى المتضررات من فوضى تفسير الأحلام قالت لـ”سبق“: “أوشكت حياتي على الانتهاء، وعشت أصعب وأحلك اللحظات؛ بسبب حلم رآه زوجي في منامه؛ حيث رآني في المنام أكثر من مرة أرتدي ثوباً رجالياً؛ ما دفعه إلى الذهاب لمفسر أحلام، الذي فسَّر الحلم ورماني بالباطل بأني خنت زوجي”.
وأضافت: “وقتها لم يفكر زوجي فيما قيل له، وقرر مباشرة طلاقي، وبعد أيام أشار على زوجي أحد أصدقائه باللجوء إلى كبار المفسرين لتفسير الحلم، وبالفعل أكد له أحد الشيوخ أن الحلم فيه بشارة بأن زوجتك حامل”.
وتابعت: “قمتُ بالفعل بعمل تحليل، واكتشفت أني حامل، ولم أكن أدري بذلك، وقتها اعتذر لي زوجي عن خطئه في حقي، ومن وقتها قررنا أن نقاطع هذا العالم الذي كاد يقذف بنا إلى الهلاك”.
وقصت أخرى مناماً تم تفسيره خطأ من قِبل أحد المتطفلين على تفسير الأحلام؛ حيث رأت أسنانها تقع واحدة تلو الأخرى، وكان التفسير وقتها أنها ستموت عن قريب، وقالت: “عشت أياماً كانت تمر عليّ كالسنين، وأنا أنتظر لحظة موتي يوماً تلو الآخر، وفي لحظة يأس من الحياة فكرت في أن أسأل أحد الشيوخ الكبار في أحد البرامج، الذي أكد لي أن الأسنان هم الأصدقاء، وتفسير الحلم أني من أطول الناس عمراً”.
أحفر قبري
وقال لـ”سبق” المواطن أبو خالد: “حلمتُ بأني أقع في حفرة، وتكرر الحلم يوماً بعد آخر؛ ما دفعني للبحث عن تفسير الحلم، وأكد لي أحد المعبِّرين أن الحُفْرة التي وقعت فيها هي قبري وعملي في الدنيا، فشعرت بالخوف والرهبة”، معقباً: “ويا له من موقف صعب”.
وتابع: “بعد عام من الرؤية التقيت أحد الشيوخ المشهود لهم بالعلم، وقصصت عليه حلمي، فأكد لي أنها عين حاسد، وتأثرت بها لفترة، ويلزم علي الكفارة، داعياً المجتمع إلى خطورة الالتفات حول أشخاص يتاجرون بالرؤيا”.
منافذ شرعية
ووصف عضو الجمعية السعودية للدراسات والبحوث الدعوية المستشار والخبير بتفسير الأحلام، دكتور يوسف بن دخيل الله الحارثي، إقبال المجتمع على تفسير الرؤيا بأنه سُنّة كونية، كما في الحديث الشريف “لكل أمر شره وفترة”، لافتاً إلى أن “ما أصاب المسلمين من فتن ومصائب ومحن في هذه الأيام جعلهم يتعلقون بالمبشرات المنامية؛ لفقدانهم الثقة في كل خبر وتحليل للواقع وهذه المحن”. ورأى أن “لجوء الناس للمنافذ الشرعية في تفسير الرؤى أفضل من اتباع المنجمين والكهان”.
وانتقد الحارثي بعض المتطفلين والجهلاء بعلم تعبير الرؤى، الذين اخترقوا “الميثاق المهني”، رافضاً أن يصبح تفسير الأحلام تجارة عبر وسائل الإعلام، وقال: “للأسف بعض ضعاف النفوس يستغلون حاجات الناس مادياً، ويقدمون خدمات عبر وسائل الإعلام، وهناك إجابات جاهزة مسبقاً لجميع الرؤى، دون نصح للسائلين”. مبدياً مخاوفه من أن يصبح تفسير الأحلام هدفاً مادياً فقط، دون مراعاة تقوى الله في إجابة السائل.
وحذر الحارثي ممن يصطاد في الماء العكر، ويجعل ذلك غرضاً للقدح في الإسلام والدين، والدعوة بدعوى العقلانية، والحرب على الخرافة والأوهام، محمِّلاً أجهزة الرقابة الشرعية المسؤولية كاملة في ذلك أمام الله، ومؤكداً أهمية هذا الموضوع وتأثيره في المجتمع أفراداً وجماعات، وشدة الحاجة لتنظيمه وتلافي ما يقومون به من أخطاء وتجاوزات شرعية واجتماعية ونفسية.
علوم النبوة
وأكد مفسِّر الأحلام، الدكتور محمد الشنقيتي، أن تفسير الأحلام علم يختص الله به عباداً؛ لقوله تعالى: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث)، مضيفاً “والعلم لا يكون إلا في أمر معلوم، وهو من أول العلوم التي عرفها الإنسان، والتي ترتبط بعلوم النبوة، ويختار الله فئة خاصة من عباده لهذا العلم”.
وقسّم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام: الأول حلم شيطاني، وهو ما يكون من الشيطان، ودائماً ما يكون كذباً، والثاني وهو حديث النفس، أي ما يحدث الإنسان به نفسه في اليقظة، فتتحدث به النفس في النوم، وهذا يعتمد على صدق النفس؛ لقوله عليه السلام: “أصدقهم حديثاً أصدقهم رؤى”، أما الثالث فهو الرؤيا التي تكون مخبرة أو منذرة أو مبشرة، ضارباً المثل برؤيا ملك مصر، التي فسرها سيدنا يوسف، وكانت تحتوي على بشارة ونذارة، ولولا الرؤيا لما ادّخر الملك في خزانته.
وأشار إلى أن الرؤيا تتعلق بأمور المجتمع كلها، وقد يترتب عليها خبر سياسي أو اقتصادي أو مجتمعي وخلافه، مشيراً إلى أن الخطأ في التفسير وارد، وقال: “لقد أخطأ أبو بكر في تفسير رؤيا، وراجعه النبي، فكيف لا يخطئ عامة البشر؟!”. مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان قد يكذب قائل الرؤيا في رؤياه، وينتج من ذلك التفسير الخاطئ.
فوضى المتطفلين
وأبدى الدكتور الشنقيتي انزعاجه من وجود فوضى في هذا العلم، الذي وصفه بالخطير “حتى صار تجارة للتربح والكسب المادي، دون علم أو دراية، وفتح لهؤلاء المتطفلين العديد من القنوات للكسب فقط، وليس لإفادة المجتمع”. مؤكداً أنه “لا يزال هناك رجال صالحون يفسِّرون بالشكل الصحيح، ويكون كلامهم دائماً مؤيداً بالكتاب والسُّنة”.
وأضاف بأن “الرؤيا جزء من النبوة، وأهل هذا العلم هم أهل القرآن، كما يحتاج هذا العلم إلى فهم أصول التعبير وألفاظ ولغات الناس وتعاملاتهم وعاداتهم وتقاليدهم”.. مشيرا إلى قول الإمام مالك: “لم يبق من النبوة سوى الرؤيا الصالحة”، وقوله تعالى: (لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة)، مردفاً “فلا ينبغي أن يقصد هذا العلم إلا من وهبه الله تعالى أسبابه”.
ورأى أن “المجتمع ساهم بشكل كبير في وجود تلك الفوضى، ووجود هؤلاء المتطفلين الذين يساهمون في تدمير الحياة؛ فكم من تفسير خاطئ أفسد حياة زوجية، ودمر أرواحاً ونفوساً”، محذِّراً المجتمع من الانجراف وراء أي قول، وقال: “ينبغي أن نحافظ على عقولنا؛ حيث هناك من يريد تدميرها، ولا ينبغي أن نجعل أنفسنا باباً للتجربة على أيدي هواة لا يملكون العلم الصحيح”.
بناء مجتمع مثقف
ولفت وكيل كلية العلوم الاجتماعية بجامعة أم القرى، الدكتور خالد الشريف، إلى أن المشكلة الحقيقية لمن يرى الرؤيا أو يفسرها تكمن في الجهل، معتبراً جهل المتلقي بيئة خصبة لمدعي العلم أو المرجفين الذين يتوقون إلى تلقف الأخبار غير المؤكدة والتفسيرات غير العلمية، ونشرها بين الناس، وموضحاً أن العلم بأمور الدين والتمسك بالأخلاق العالية يميِّز بهما الإنسان بين ما يمكن نقله وما لا يمكن.
وحذر الشريف من خطر مدعي القدرة على تفسير الأحلام، وترويج التفاسير غير العلمية، مع وجود المتلقي غير الواعي على المجتمع، مطالباً بتضافر جهود المجتمع لتحصين أفراده من هذا الخطر، وقال: “إن الأسرة تقع على عاتقها مسؤولية تنشئة أبنائها على تحري مصادر الأخبار من جهاتها المعتمدة الموثوق فيها، وتربيتهم على الصدق، وترك ما لا يعنيهم، كما تقع على عاتق مؤسسات التعليم مسؤولية تربية وتعليم الأبناء الطرق العلمية في تقصي المعلومة، وتشجيعهم على اتساع مداركهم، إضافة إلى تحصينهم بالعلم من خلال القدوة الصالحة من قِبل المعلمين”.
وشدَّد على دور العلماء والوعاظ المشهود لهم بالعلم في إرشاد الأبناء وتوعية المجتمع، مؤكداً أن تغيير الأشخاص والمجتمعات نحو الأفضل ليس أمراً مستحيلاً إذا ما قُرن بالصبر والمثابرة، ورأى أن “العمل الجيد والإيمان بالهدف نحو بناء مجتمع مثقف واعٍ يستغرق وقتاً، قد لا نراه الآن، بيد أنه سرعان ما يتضح مستقبلاً”.
أدبيات الحديث
واستعرض الدكتور فهد العصيمي، المستشار الإعلامي لقناة الراية صاحب برنامج الأحلام، مدارس تفسير الأحلام قائلاً: “هناك التفسير الشرعي المستمد من القرآن والسُّنة، والتفسير من خلال التشبيهات الواردة في أحاديث الرسول”، وهناك التفسير اللغوي من خلال مفردات ولغة السائل، والتفسير من خلال الأمثال السائدة بين الناس، سواء كانت فصحى أو عامية”.
وبسؤاله عن الضوابط الشرعية التي يجب أن يلتزم بها معبِّر الرؤى أجاب العصيمي: “عدم إفشاء أسرار السائلين، وعدم ترهيبهم، وألا يخوض في الأمور العامة التي تثير الشك والبلبلة لدى السائلين”.
مؤكداً “ضرورة أن يتحلى المعبر بأدبيات الحديث، فيعرف متى يتحدث ومتى يصمت”، ورأى أنه “لا غضاضة في أن يقول المعبر: لا أعلم، عندما يجد الحلم مبهماً بالنسبة له، ويطلب من السائل الاتصال به عقب البرنامج لمعرفة تفاصيل أكثر”.
ظاهرة صحية
وشدَّد على ضرورة التزام المعبِّر بالحياد والبُعد عن المجاملة؛ لاكتساب جمهور أكثر من السائلين، معتبراً اهتمام الناس بتفسير الأحلام ظاهرة صحية، وقال: “في عصر ثورة المعلومات وتنوع المعارف يظل العلم المباح شرعاً في معرفة الغيب؛ لقول رسول الله [لم يبق من النبوة إلا المبشرات يراها المسلم، أو تُرى له]”، ورأى أن هذا أفضل من سؤال الكهنة والدجالين.
ولفت إلى مخالفات بعض المعبِّرين قائلاً: “تتنوع مخالفات معبري الرؤى بين فضح أسرار السائل، وإرهاب المتصل بوصفه تعبيراته أنها سِحْر أو حسد، أو يسبب فتنة وعداء بين السائل ومن رآه في الرؤية”. مرجعاً ذلك إلى ضَعْف الفقه والتقيد بالضوابط الشرعية في التعبير.
وطالب الدكتور العصيمي في ختام حديثه وزارة الشؤون الإسلامية بإعطاء شهادة لممارسة التعبير، لمعبرين يتم اختيارهم وفقاً لتأهيلهم وشهرتهم، وتقيدهم بالضوابط الشرعية؛ حتى تكون هناك مظلة حاضنة لهؤلاء عندما يخرقون المنهج الشرعي أو الاجتماعي.
فوضى الغيبيات
من جهته أفاد الكاتب في جريدة “اليوم” محمد العصيمي بأن هناك فوضى كبيرة في كل ما يتعلق بالغيبيات، سواء الأحلام أو الرؤيا، مشيراً إلى دخول أطراف غير مؤهَّلة تستغل الناس، وتوهمهم بأشياء ربما تكون خرافية؛ ما ينتج منه الكثير من المشاكل والجرائم.
كما لفت إلى ما سمّاه “تجارة الغيبيات”، التي صارت موجودة على بعض القنوات بشكل واضح، معللاً ذلك بتخلف المجتمع، الذي ساهم بقوة في وجود تلك الفئات، ومبيناً أن الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية السيئة جعلت البعض يبحث عن مخرج لنشد الخلاص من الضغوط؛ ما زاد من عدد المتطفلين.
وأشار العصيمي إلى المكاسب التي تحققها القنوات الفضائية من تلك البرامج، مؤكداً ضرورة التوعية في المجالات كافة، مع بذل المزيد من الجهد لتوعية المجتمع من تلك الغيبيات بشكل صحيح؛ حتى لا تزيد التجارة، ويزيد عدد المدعين.
ط³ط¨ظ‚ | ط¹ظ„ظ…ط§ط، ظˆظ…ط®طھطµظˆظ†: ظ…طھط·ظپظ„ظˆظ† ط.ظˆظ‘ظژظ„ظˆط§ “طھظپط³ظٹط± ط§ظ„ط£ط.ظ„ط§ظ…” ظ„طھط¬ط§ط±ط© ظپط§ط³ط¯ط©