دراسات وبحوث وتحليل المنتدى-الإدارة العلمية والبحوثعالم الجآن - الأولون في كوكب الأرض

آكام المرجان في أحكام الجان 16

 

الْبَاب الأول بعد الْمِائَة فِي حُضُور الشَّيْطَان كل شَيْء من شئون الْإِنْس

روى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان يحضر أحدكُم عِنْد كل شَيْء من شَأْنه حَتَّى يحضرهُ عِنْد طَعَامه فَإِذا سَقَطت لقْمَة أحدكُم فليأخذها وليمط مَا كَانَ بهَا من أَذَى وليأكلها وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان فَإِذا فرغ فليلعق أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أَي طَعَامه الْبركَة

الْبَاب الثَّانِي بعد الْمِائَة فِي حُضُور الشَّيْطَان جماع الرجل أَهله

عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يَأْتِي أَهله قَالَ بِسم الله اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا فَإِنَّهُ إِن يقدر بَينهمَا ولد فِي ذَلِك لم يضرّهُ الشَّيْطَان أبدا أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ القَاضِي عِيَاض لم يحملهُ أحد على الْعُمُوم فِي جَمِيع الضَّرَر والإغواء والوسوسة وَقَالَ بعض الْعلمَاء مَا هَا هُنَا نكره لَا يجوز أَن تكون بِمَعْنى الَّذِي لِأَنَّهَا لَا تكون لمن يعقل إِذا كَانَت بِمَعْنى الَّذِي فَيكون مَعْنَاهَا شَيْء وَقَالَ ابْن جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار حَدثنَا مُحَمَّد بن عمَارَة الْأَسدي حَدثنِي سهل بن عَامر البَجلِيّ حَدثنَا يحيى بن يعلى الاسلمي عَن عُثْمَان بن الْأسود عَن مُجَاهِد قَالَ إِذا جَامع الرجل وَلم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع مَعَه فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} وَقد قدمنَا فِي الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ قَول ابْن عَبَّاس أَن الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهيا أَن يَأْتِي الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَإِذا أَتَاهَا سبقه إِلَيْهَا الشَّيْطَان فَحملت فَجَاءَت بالمخنث ذكره الطرطوشي فِي كتاب تَحْرِيم الْفَوَاحِش

الْبَاب الثَّالِث بعد الْمِائَة حُضُور الشَّيْطَان الْمَوْلُود حِين يُولد

فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من بني آدم من مَوْلُود إِلَّا نخسه الشَّيْطَان فَيَسْتَهِل صَارِخًا من نخسه إِيَّاه الا مَرْيَم وَابْنهَا وَفِي رِوَايَة عِنْد مُسلم إِلَّا نخسه الشَّيْطَان فَيَسْتَهِل صَارِخًا من نخسة الشَّيْطَان وفيهَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة اقرأوا إِن شِئْتُم {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها} الْآيَة وَفِي لفظ عِنْد البُخَارِيّ كل بني آدم يطعن الشَّيْطَان فِي عَيْنَيْهِ بِأُصْبُعِهِ حِين يُولد إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم ذهب يطعن فطعن فِي الْحجاب وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صياح الْمَوْلُود حَيْثُ يَقع نزغة من الشَّيْطَان أخرجه أَبُو حَاتِم قَالَ السُّهيْلي وَلِأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يخلق من مني الرِّجَال فأعيذ من مغمزه وَإِنَّمَا خلق من نفخة روح الْقُدس قَالَ وَلَا يدل هَذَا على فضل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نزع مِنْهُ ذَلِك المغمز وملئ قلبه حِكْمَة وإيمانا بعد أَن غسله روح الْقُدس بالثلج وَالْبرد وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك المغمز فِيهِ لموْضِع الشَّهْوَة المحركة للمني والشهوات يحضرها الشَّيْطَان لَا سِيمَا شَهْوَة من لَيْسَ بِمُؤْمِن فَكَانَ ذَلِك المغمز فِيهِ رَاجعا إِلَى الْأَب لَا إِلَى الابْن المطهر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا قَالَ شقّ صَدره فَأخْرج مِنْهُ مغمز الشَّيْطَان وعلق الدَّم فنبين أَن الَّذِي التمس فِيهِ هُوَ الَّذِي يغمزه الشَّيْطَان من كل مَوْلُود وَالله أعلم

الْبَاب الرَّابِع بعد الْمِائَة فِي أَن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم

روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم وللملك لمة فَأَما الشَّيْطَان فإيعاد بِالشَّرِّ وَتَكْذيب بِالْحَقِّ وَأما لمة الْملك فوعد بِالْخَيرِ وتصديق بِالْحَقِّ فَمن وجد ذَلِك فَليعلم أَنه من الله تَعَالَى فبحمد الله تَعَالَى وَمن وجد الْأُخْرَى فليتعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان ثمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} وَالله تَعَالَى أعلم

الْبَاب الْخَامِس بعد الْمِائَة فِي انه يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم

ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث صَفِيَّة بنت حييّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس وَرَوَاهُ غير وَاحِد من أهل السّنَن مِنْهُم الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ أوردهما بأسانيده من حَدِيث صَفِيَّة وَحَدِيث أنس وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْمَدِينِيّ حَدثنَا حسان بن إِبْرَاهِيم عَن سعيد يَعْنِي ابْن مَرْزُوق عَن محَارب بن دثار عَن ابْن عمر قَالَ كَيفَ ننجو من الشَّيْطَان وَهُوَ يجْرِي منا مجْرى الدَّم وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي كتاب الوسوسة حَدثنَا الْحُسَيْن بن مَنْصُور حَدثنَا يزِيد أَنبأَنَا سُفْيَان عَن الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ ان الشَّيْطَان ليجري فِي الأحليل ويبيض فِي الدبر وَقد قدمنَا فِي بَاب دُخُول الْجِنّ فِي بدن المصروع وَفِي بَاب الوسوسة القَوْل فِي ذَلِك وَإِمْكَان جريه وتداخل الْأَجْسَام فَلْينْظر هُنَاكَ

الْبَاب السَّادِس بعد الْمِائَة فِي انتشار الشَّيْطَان جنح اللَّيْل وتعرضه للصبيان

فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ جنح اللَّيْل وأمسيتم فكفوا صِبْيَانكُمْ فَإِن الشَّيْطَان ينتشر حِينَئِذٍ إِذا ذهب سَاعَة من اللَّيْل فخلوهم وَأَغْلقُوا الْأَبْوَاب واذْكُرُوا اسْم الله تَعَالَى وخمروا آنيتكم واذْكُرُوا اسْم الله عز وَجل وَلَو ان تعرضوا عَلَيْهَا شَيْئا واطفئوا مصابحكم وَفِي رِوَايَة فَإِن الشَّيْطَان لَا يفتح غلقا

الْبَاب السَّابِع بعد الْمِائَة فِي مَا يلهي الشَّيْطَان عَن الصّبيان

قَالَ حَرْب الْكرْمَانِي حَدثنَا الْحسن بن مهْدي بن مَالك حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى حَدثنَا أَبُو عُبَيْدَة الْبَلْخِي عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّخذُوا الحمامات المقصوصات فِي الْبيُوت فَإِنَّهَا تلهي الشَّيْطَان عَن صِبْيَانكُمْ وَقَالَ حَرْب سَمِعت أَحْمد يَقُول لَا بَأْس أَن يتَّخذ الرجل فِي منزله الطُّيُور والحمامات المقصوصة يسْتَأْنس اليها فَإِن تلهى بهَا فَإِنِّي أكرهه

الْبَاب الثَّامِن بعد الْمِائَة فِي نوم الشَّيْطَان على الْفراش الَّذِي لَا ينَام عَلَيْهِ أحد

قَالَ الْقرشِي حَدثنَا أبي حَدثنَا هشيم عَن اسماعيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ مَا من فرَاش يكون فِي بَيت مفروشا لَا ينَام عَلَيْهِ أحد إِلَّا نَام عَلَيْهِ الشَّيْطَان
قلت لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه بل إِذا فرش وَلم يسم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَخْصُوصًا بالفراش بل كل مَا لم يسم عَلَيْهِ من طَعَام أَو شراب أَو لِبَاس أَو غير ذَلِك مِمَّا ينْتَفع بِهِ فللشيطان فِيهِ تصرف وَاسْتِعْمَال إِمَّا بِإِتْلَاف عينه كالطعام وَالشرَاب وَإِمَّا مَعَ بَقَاء عينه مِمَّا ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء الْعين وَقد قدمنَا فِي الْأَحَادِيث مَا يدل على ذَلِك وَالله أعلم

الْبَاب التَّاسِع بعد الْمِائَة فِي عدم قيلولة الشَّيَاطِين

قَالَ عبد الله بن احْمَد كَانَ أبي ينَام نصف النَّهَار شتاء كَانَ أَو صيفا ويأخذني بذلك وَيَقُول قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قيلوا فَإِن الشَّيَاطِين لَا تقيل وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد نومَة نصف النَّهَار تزيد فِي الْعقل وَذكر قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قَالَ يلْزم من ضبطهن ضبط الصَّوْم من قَالَ وتسحر وَأكل قبل أَن يشرب

الْبَاب الْعَاشِر بعد الْمِائَة فِي عقد الشَّيْطَان على رَأس النَّائِم

روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكُم إِذا هُوَ نَام ثَلَاث عقد يضْرب على كل عقدَة مَكَانهَا عَلَيْك ليل طَوِيل فارقد فَإِن اسْتَيْقَظَ فَذكر الله عز وَجل انْحَلَّت عقدَة فَإِن تَوَضَّأ انْحَلَّت عقدَة فَإِن صلى انْحَلَّت عقدَة كلهَا فَأصْبح نشيطا طيب النَّفس وَإِلَّا أصبح خَبِيث النَّفس كسلان
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ ذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل فَقيل مَا زَالَ نَائِما حَتَّى أصبح مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ ذَاك رجل بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنه أَو قَالَ فِي أُذُنَيْهِ قلت هَذَا لمن لم يقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ أَو خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة أَو مَا يتحرز بِهِ من الشَّيَاطِين من الْقُرْآن وَأما من قَرَأَ ذَلِك فَلَا سَبِيل للشَّيْطَان عَلَيْهِ بِدَلِيل مَا قدمْنَاهُ من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على أَن من قَرَأَهَا لَا يقربهُ شَيْطَان حَتَّى يصبح والقافية الْقَفَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَالله تَعَالَى أعلم

الْبَاب الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة فِي أَن الحكم الْمَكْرُوه من الشَّيْطَان

روى البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي قَتَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الرُّؤْيَا من الله والحلم من الشَّيْطَان فَإِذا حلم أحدكُم الْحلم يكرههُ فليبصق عَن يسَاره وليستعذ بِاللَّه مِنْهُ فَلَنْ يضرّهُ وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا رأى أحدكُم الرُّؤْيَا يُحِبهَا فَإِنَّهَا من الله عز وَجل فيحمد الله عَلَيْهَا وليحدث بهَا وَإِذا رأى غير ذَلِك مِمَّا يكره فَإِنَّمَا هِيَ من الشَّيْطَان فليستعذ بِاللَّه من شَرها وَلَا يذكرهَا لَاحَدَّ فَإِنَّهَا لن تضره قَالَ السُّهيْلي الرُّؤْيَا عِنْد أهل الْعلم مَا يرَاهُ الْإِنْسَان فِي مَنَامه والرؤية مَا يرَاهُ بِعَيْنِه فِي الْيَقَظَة فرؤية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تكن إِلَّا لمن رَآهُ فِي حَيَاته وَأما رُؤْيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فرؤيا وَلَا تكون رُؤْيا حق لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من رَآنِي فقد رأى الْحق وَهُوَ مُشْتَرك بَين الرُّؤْيَة والرؤيا وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة أول الْكَلَام من الرُّؤْيَا وَآخره من الرُّؤْيَة قَالَ الْمَازرِيّ كثر كَلَام النَّاس فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا فَقَالَ فِيهَا غير الإسلامين أقاويل كَثِيرَة مُنكرَة لما حاولوا الْوُقُوف على حقائق لَا تعلم بِالْعقلِ وَلَا يقوم عَلَيْهَا برهَان وهم لَا يصدقون بِالسَّمْعِ فاضطربت لذَلِك مقالاتهم فَمن ينتمي إِلَى الطِّبّ ينْسب جَمِيع الرُّؤْيَا إِلَى الأخلاط وَيَقُول من غلب عَلَيْهِ البلغم رأى السباحة فِي المَاء أَو مَا شابهه لمناسبة المَاء فِي طَبِيعَته طبيعة البلغم وَمن غلب عَلَيْهِ الصَّفْرَاء رأى النيرَان والصعود فِي الجو وَشبهه لمناسبة النَّار طبيعة الصَّفْرَاء وَلِأَن خفتها وإنفاذها تخيل إِلَيْهِ الطيران فِي الجو والصعود فِي الْعُلُوّ وَهَكَذَا يصنعون فِي بَقِيَّة الأخلاط وَهَذَا مَذْهَب وَإِن جوزه الْعقل وامكن عندنَا أَن يجْرِي البادي جلت قدرته الْعَادة بِأَن يخلق مثل مَا قَالُوا عِنْد غَلَبَة هَذِه الأخلاط فَإِنَّهُ لم يقم عَلَيْهِ دَلِيل وَلَا اطردت بِهِ عَادَة وَالْقطع فِي مَوضِع التجويز غلط وجهالة هَذَا لَو نسبوا ذَلِك إِلَى الأخلاط على جِهَة الِاعْتِبَار واما إِن أضافوا الْفِعْل إِلَيْهَا فَإنَّا نقطع بخطئهم وَلَا نجوز مَا قَالُوهُ إِذْ لَا فَاعل إِلَّا الله تَعَالَى ولبعض أَئِمَّة الفلاسفة تَخْلِيط طَوِيل فِي هَذَا وَكَأَنَّهُ يرى أَن صور مَا يجْرِي فِي الْعَالم الْعلوِي كالمنقوش وَكَأَنَّهُ يَدُور بدوران الأكر فَمَا حَاذَى بعض النُّفُوس مِنْهُ انتقش فِيهَا وَهَذَا أوضح فَسَادًا من الأول مَعَ كَونه تحكما بِمَا لم يقم عَلَيْهِ برهَان والانتقاش من صِفَات الْأَجْسَام وَكَثِيرًا مَا تجْرِي فِي الْعَالم والأعراض لَا تنتقش وَلَا ينتقش فِيهَا وَالْمذهب الصَّحِيح مَا عَلَيْهِ أهل السّنة وَهُوَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخلق فِي قلب النَّائِم اعتقادات كَمَا يخلقها فِي قلب الْيَقظَان وَهُوَ تبَارك وَتَعَالَى يفعل مَا يَشَاء وَلَا يمْنَع من فعله نوم وَلَا يقظة فَإِذا خلق هَذِه الاعتقادات فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ جعلهَا علما على أُمُور أخر يخلقها فِي ثَانِي حَال أَو كَانَ خلقهَا فَإِذا خلق فِي قلب النَّائِم اعْتِقَاد الطيران وَلَيْسَ بطائر فقصارى مَا فِيهِ أَنه اعْتقد امرا على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ علما وَكم فِي الْيَقَظَة مِمَّن يعْتَقد أمرا على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك الِاعْتِقَاد علما على غَيره كَمَا يكون خلق الله تَعَالَى الْغَيْم علما على الْمَطَر والجميع خلق الله وَلَكِن يخلق الرُّؤْيَا والاعتقادات الَّتِي جعلهَا علما على مَا يسر بِحَضْرَة الْملك أَو بِغَيْر حَضْرَة الشَّيْطَان ويخلق ضدها مِمَّا هُوَ علم على مَا يضرّهُ بِحَضْرَة الشَّيْطَان فينسب إِلَيْهِ مجَازًا واتساعا هَذَا الْمَعْنى بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيَا من الله عز وَجل والحلم من الشَّيْطَان لَا على أَن الشَّيْطَان يفعل شَيْئا فِي غَيره وَتَكون الرُّؤْيَا اسْما لما يحب والحلم اسْم لما يكره أنْتَهى قَول الْمَازرِيّ وَحكى السُّهيْلي فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا قَول الأسفرائي أَبُو إِسْحَاق فِيمَا بلغه عَنهُ أَن الرُّؤْيَا إِدْرَاك بِجُزْء من الْقلب كَمَا أَن الرُّؤْيَة إِدْرَاك بِجُزْء من الْعين وَإِذا غشى الْقلب كُله النّوم لم ير شَيْئا فَإِذا ذهب عَنهُ النّوم أَو عَن أَكثر الْقلب كَانَت الرُّؤْيَا أصفى وَأجلى كرؤيا السحر قَالَ وَقَالَ القَاضِي الرُّؤْيَا اعتقادات يعتقدها الرَّائِي فِي النّوم وَلَيْسَت بِإِدْرَاك كإدراك الحاسة وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر ابْن فورك الرُّؤْيَا أَوْهَام يتوهمها الْمَرْء فِي حَال النّوم ثمَّ قَالَ أما قَول الأسفرائيني فقد يجوز أَن يكون فِي بعض الْأَحْوَال لَا فِي جَمِيع أَحْوَال الرُّؤْيَا فَإِن الرَّائِي قد يرى فِي الْمَنَام مَا هُوَ مَعْدُوم فِي تِلْكَ الْحَال والمعدوم لَا تتَعَلَّق بِهِ الإدراكات وَأما قَول القَاضِي اعتقادات فَحق لِأَنَّهُ قد يعْتَقد الشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقد يَعْتَقِدهُ على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ كَالَّذي يرى اللَّبن فِي النّوم فيعتقده لَبَنًا وَهُوَ عبارَة عَن الْعلم وَقد يحضر فِي حَال النّوم أَنه عبارَة عَن الْعلم وَلَيْسَ بِلَبن وَأما قَول أبي بكر هِيَ أَوْهَام فَصَحِيح وَلَيْسَ بمناقض لقَوْل القَاضِي لِأَن النَّائِم يتوهمه الشَّيْء فِي تصَوره فِي خلده ثمَّ يعْتَقد مَعَ ذَلِك التَّوَهُّم أَن الشَّيْء كَمَا يُوهِمهُ لعزوب عقله فِي النّوم فَإِذا ثاب إِلَيْهِ عقله فِي الْيَقَظَة انحل عَنهُ الِاعْتِقَاد وَعلم أَن الَّذِي توهمه لَيْسَ على الصُّورَة الَّتِي توهمها كَالَّذي يتَوَهَّم فِي الْيَقَظَة وَهُوَ فِي السَّفِينَة مَاشِيَة أَن الْبَحْر يمشي مَعَه وعقله يدْفع مَا فاجأه بِهِ الْوَهم وَلَوْلَا ذَلِك لاعتقد صِحَة مَا توهم فَإِذا عزب الْعقل تحكم الْوَهم اعتقدت النَّفس صِحَة مَا يتَوَهَّم فثم إِذا وهم إِمَّا صَادِق وَإِمَّا كَاذِب وَتمّ فِي تِلْكَ الْحَالة اعْتِقَاد تَصْدِيق الْوَهم انْتهى مَا ذكره فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا قَالَ الْمَازرِيّ وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا لن تضره فَقيل مَعْنَاهُ أَن الروع يذهب بِهَذَا النفث الْمَذْكُور وَفِي الحَدِيث إِذا كَانَ فَاعله مُصدقا بِهِ متكلا على الله جلت قدرته فِي دفع الْمَكْرُوه وَقيل يحْتَمل ان يُرِيد أَن هَذَا الْفِعْل مِنْهُ يمْنَع من نُفُوذ مَا دلّ عَلَيْهِ الْمَنَام من الْمَكْرُوه وَيكون ذَلِك سَببا فِيهِ كَمَا تكون الصَّدَقَة تدفع الْبلَاء إِلَى غير ذَلِك من النَّظَائِر الْمَذْكُورَة عِنْد أهل الشَّرِيعَة وَالله تَعَالَى أعلم

 


الكتاب: آكام المرجان في أحكام الجان
المؤلف: محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقيّ الحنفي، أبو عبد الله، بدر الدين ابن تقي الدين (المتوفى: 769هـ)
المحقق: إبراهيم محمد الجمل
الناشر: مكتبة القرآن – مصر – القاهرة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى