آكام المرجان في أحكام الجان 20
قَالَ الإِمَام احْمَد حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا عمر بن ابراهيم حَدثنَا قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما ولدت حَوَّاء طَاف بهَا إِبْلِيس وَكَانَ لَا يعِيش لَهَا ولد فَقَالَ سميه عبد الْحَارِث فَإِنَّهُ يعِيش فَسَمتْهُ عبد الْحَارِث فَكَانَ ذَلِك من وَحي الشَّيْطَان وَأمره فَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه فِي تفاسيرهم وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كلهم من حَدِيث عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث بِهِ قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حسن غَرِيب لانعرفه إِلَّا من حَدِيث عمر بن ابراهيم وَرَوَاهُ بَعضهم عَن عبد الصَّمد وَلم يرفعهُ فَهَذِهِ عِلّة قادحة فِي الحَدِيث أَنه روى مَوْقُوفا على الصَّحَابِيّ وَهَذَا أشبه وَالظَّاهِر أَن هَذَا من الْإسْرَائِيلِيات وَهَكَذَا روى مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس وَالظَّاهِر أَنه متلقى عَن كَعْب وَذَوِيهِ وَقد فسر الْحسن قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء} بِخِلَاف هَذَا فَلَو كَانَ عِنْده عَن سَمُرَة مَرْفُوعا لما عدل عَنهُ إِلَى غَيره وَالله أعلم وَأَيْضًا فَالله تَعَالَى إِنَّمَا خلق آدم وحواء ليكونا أصل الْبشر وليبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء فَكيف كَانَت حَوَّاء لَا يعِيش لَهَا ولد كَمَا ذكر فِي هَذَا الحَدِيث إِن كَانَ مظنونا والمظنون بل الْمَقْطُوع بِهِ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطأ وَالصَّوَاب وَقفه وَالله أعلم وَقد ذكر الإِمَام أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير فِي تَارِيخه إِن حَوَّاء ولدت لآدَم أَرْبَعِينَ ولدا فِي عشْرين بَطنا قَالَه ابْن اسحاق وَالله أعلم وَقيل مائَة وَعشْرين بَطنا فِي كل بطن ذكر وَأُنْثَى أَو لَهُم قابيل واخته قليما وَآخرهمْ عبد المغيث وَأُخْته ام المغيث ثمَّ انْتَشَر النَّاس بعد ذَلِك وكثروا وامتدوا فِي الأَرْض ونموا وَذكر أهل التَّارِيخ أَن آدم لم يمت حَتَّى رأى من ذُريَّته أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده أَرْبَعِينَ ألف نسمَة وَالله أعلم وَقَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا} إِلَى قَوْله {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} فَهَذَا تَنْبِيه بِذكر آدم أَولا ثمَّ استطراد إِلَى الْجِنْس وَلَيْسَ المُرَاد بِهَذَا ذكر آدم وحواء بل لما جرى ذكر الشَّخْص استطرد إِلَى الْجِنْس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} وَمَعْلُوم أَن رجوم الشَّيَاطِين لَيست هِيَ أَعْيَان مصابيح السَّمَاء وَإِنَّمَا استطرد من شخصها إِلَى جِنْسهَا وَالله أعلم
الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لنوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة
قَالَ أَبُو بكر بن عبيد حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار قهرمان آل الزبير حَدثنَا سَالم ابْن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ لما ركب نوح السَّفِينَة رأى فِيهَا شَيخا لم يعرفهُ قَالَ لَهُ نوح مَا أدْخلك قَالَ دخلت لأصيب قُلُوب أَصْحَابك فَتكون قُلُوبهم معي وأبدانهم مَعَك قَالَ نوح اخْرُج يَا عَدو الله فَقَالَ خمس أهلك بِهن النَّاس وسأحدثك مِنْهُنَّ بِثَلَاث وَلَا أحَدثك بِاثْنَتَيْنِ فَأوحى إِلَى نوح لَا حَاجَة بك إِلَى الثَّلَاث مره يحدثك بالثنتين فَإِن بهما أهلك النَّاس وَقَالَ هما الْحَسَد وبالحسد لعنت وَجعلت شَيْطَانا رجيما والحرص أَبَاحَ لآدَم الْجنَّة كلهَا فَأَصَبْت حَاجَتي مِنْهُ بالحرص قَالَ وَلَقي إِبْلِيس مُوسَى فَقَالَ يَا مُوسَى أَنْت الَّذِي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وَأَنا من خلق الله أذنيت فَأَنا أُرِيد أَن أَتُوب فاشفع لي عِنْد رَبك عز وَجل أَن يَتُوب على فَدَعَا مُوسَى ربه فَقيل يَا مُوسَى قد قضيت حَاجَتك فلقي مُوسَى إِبْلِيس فَقَالَ قد أمرت أَن تسْجد لقبر آدم ويتاب عَلَيْك فاستكبر وَغَضب وَقَالَ لم أَسجد لَهُ حَيا أأسجد لَهُ مَيتا ثمَّ قَالَ إِبْلِيس يَا مُوسَى إِن لَك حَقًا بِمَا شفعت لي رَبك فاذكرني عِنْد ثَلَاث ولأهلك إِلَّا فِيهِنَّ اذْكُرْنِي حِين تغْضب فَإِن وحيي فِي قَلْبك وعيني فِي عَيْنَيْك وأجرى مِنْك مجْرى الدَّم اذْكُرْنِي حِين تلقى الزَّحْف فَإِنِّي أُتِي ابْن آدم حِين يلقى الزَّحْف فأذكره وَلَده وَزَوجته وَأَهله حَتَّى يولي وَإِيَّاك أَن تجَالس امْرَأَة لَيست بِذَات محرم فإنى رسولها إِلَيْك وَرَسُولك إِلَيْهَا وَقَالَ ابْن عبيد حَدثنِي اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا جرير عَن الاعمش عَن زِيَاد بن الْحصين عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ لما رست السَّفِينَة سفينة نوح إِذا هُوَ بإبليس على كوثل السَّفِينَة فَقَالَ لَهُ نوح وَيلك قد غرق اهل الأَرْض من أَجلك قد أهلكتهم قَالَ لَهُ إِبْلِيس فَمَا أصنع قَالَ لَهُ تتوب قَالَ فسل رَبك عز وَجل هَل لي من تَوْبَة فَدَعَا نوح ربه فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن تَوْبَته أَن يسْجد لقبر آدم فَقَالَ لَهُ نوح قد جعلت لَك تَوْبَة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ أَن تسْجد لقبر آدم قَالَ تركته حَيا وأسجد لَهُ مَيتا
وَحدثنَا الْقَاسِم بن هَاشم حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس الْبَزَّاز الْحِمصِي حَدثنَا عبد الله بن وهب عَن اللَّيْث قَالَ بَلغنِي لِأَن إِبْلِيس لَقِي نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس يَا نوح اتقِي الْحَسَد وَالشح فَإِنِّي حسدت فَخرجت من الْجنَّة وشح آدم على شَجَرَة وَاحِدَة منعهَا حَتَّى خرج من الْجنَّة وَذكر بَعضهم ويروى عَن ابْن عَبَّاس أَن أول مَا دخل السَّفِينَة من الطُّيُور الدرة وَآخر مَا دخل من الْحَيَوَانَات الْحمار وَدخل إِبْلِيس مُتَعَلقا بذنب الْحمار وَالله تَعَالَى أعلم
الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما أَرَادَ ذبح وَلَده وَفِيه تعين الذَّبِيح
قَالَ عبد الرازق أَخْبرنِي معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} قَالَ أَخْبرنِي الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَنه اجْتمع أَبُو هُرَيْرَة وَكَعب فَجعل أَبُو هُرَيْرَة يحدث كَعْبًا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل كَعْب يحدث أَبَا هُرَيْرَة عَن الْكتب فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل نَبِي دَعْوَة مستجابة وَإِنِّي خبأت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ كَعْب أَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ نعم قَالَ فَقَالَ كَعْب فدَاء لَهُ أبي وَأمي أَفلا أخْبرك عَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى ذبح وَلَده اسحاق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّيْطَان إِن لم أفتن هَؤُلَاءِ عِنْد هَذِه لم أفتنهم أبدا قَالَ فَخرج إِبْرَاهِيم بِابْنِهِ ليذبحه فَذهب الشَّيْطَان فَدخل على سارة فَقَالَ أَيْن يذهب إِبْرَاهِيم بابنك قَالَت ذهب بِهِ لِحَاجَتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ لم يغد بِهِ لحَاجَة إِنَّمَا ذهب بِهِ ليذبحه قَالَت وَلم يذبحه قَالَ يزْعم أَن ربه أمره بذلك قَالَت قد أحسن إِن أطَاع ربه فَخرج الشَّيْطَان فَقَالَ لإسحاق أَيْن يذهب بك أَبوك قَالَ لبَعض حَاجته قَالَ إِنَّه لم يذهب بك لِحَاجَتِهِ وَلكنه يذهب بك ليذبحك قَالَ وَلم يذبحني قَالَ يزْعم أَن الله أمره بذلك قَالَ فوَاللَّه إِن كَانَ الله أمره بذلك ليفعلن فَتَركه وَذهب إِلَى إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَيْن غَدَوْت بابنك قَالَ إِلَى حَاجَة قَالَ فَإنَّك لم تغد بِهِ لحَاجَة إِنَّمَا غَدَوْت بِهِ لتذبحه قَالَ وَلم أذبحه قَالَ تزْعم أَن الله أَمرك بذلك قَالَ فوَاللَّه لَئِن أَمرنِي بذلك لَأَفْعَلَنَّ فَتَركه ويئس أَن يطاع فَلَمَّا أسلما قَالَ قَتَادَة سلما الْأَمر لله وتله للجبين قَالَ قَتَادَة أضجعه للجبين وناداه {أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين وفديناه بِذبح عَظِيم}
قَالَ الزُّهْرِيّ فَأوحى الله إِلَى اسحاق أَن ادْع فلك دَعْوَة مستجابة قَالَ معمر قَالَ الزُّهْرِيّ فِي غير حَدِيث كَعْب قَالَ رب أَدْعُوك أَن تَسْتَجِيب لي أَيّمَا عبد من الْأَوَّلين والآخرين لقيك لَا يُشْرك بك شَيْئا أَن تدخله الْجنَّة
تَعْلِيق وَبَيَان
فصل
قَول كَعْب لما رأى ابراهيم ذبح وَلَده اسحاق وَقَوله ذهب إِلَى سارة فَقَالَ أَيْن يذهب إِبْرَاهِيم بابنك يدل على أَن الذَّبِيح هُوَ اسحاق وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن عمر بن الْخطاب وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَعبد الله ابْن مَسْعُود وَأنس بن مَالك وابي هُرَيْرَة وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِيهِ عَن عَليّ ابْن أبي طَالب وَقَالَ بِهِ من التَّابِعين غير كَعْب سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَالقَاسِم ابْن بره ومسروق وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة ووهب بن مُنَبّه وَعبيد بن عُمَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن زيد وَأَبُو الْهُذيْل وَالزهْرِيّ وَالسُّديّ وَهُوَ اخْتِيَار ابْن احْمَد ابْن حَنْبَل وَقَالَ السُّهيْلي لَا شكّ هُوَ اسحاق وَقَالَت طَائِفَة اخرى هُوَ اسماعيل وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عَبَّاس وَالْحسن بن أبي الْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ وروى أَيْضا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَقد بسطت الْأَدِلَّة من الْجَانِبَيْنِ والأجوبة فِي كتابي المرسوم بقلادة النَّحْر ضمنته تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر
الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الاعلى الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا فرج بن فضَالة عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن انْعمْ قَالَ بَيْنَمَا مُوسَى جَالس فِي بعض مجالسه إِذْ أقبل إِبْلِيس وَعَلِيهِ برنس لَهُ يَتلون فِيهِ ألوانا فَلَمَّا دنا مِنْهُ خلع الْبُرْنُس فَوَضعه ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ السَّلَام عَلَيْك يَا مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى من أَنْت قَالَ إِبْلِيس قَالَ فَلَا حياك الله مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت لأسلم عَلَيْك لمنزلتك من الله ومكانتك مِنْهُ قَالَ مَاذَا الَّذِي رَأَيْت عَلَيْك قَالَ بِهِ اخْتَطَف قُلُوب بني آدم قَالَ فَمَاذَا إِذا صنعه الْإِنْسَان استحوذت عَلَيْهِ قَالَ إِذا أَعْجَبته نَفسه واستكبر عمله وَنسي ذنُوبه وأحذرك ثَلَاثًا لَا تخل بِامْرَأَة لَا تحل لَك فَإِنَّهُ مَا خلا رجل بِامْرَأَة لَا تحل لَهُ إِلَّا كنت صَاحبه دون أَصْحَابِي حَتَّى أفتنه بهَا وَلَا تعاهد الله عهداإلا وفيت بِهِ فَإِنَّهُ مَا عَاهَدَ الله اُحْدُ عهدا إِلَّا وَكنت صَاحبه حَتَّى أَحول بَينه وَبَين الْوَفَاء بِهِ وَلَا تخرجن صَدَقَة إِلَّا أمضيتها فَإِنَّهُ مَا أخرج رجل صَدَقَة فَلم يمضها إِلَّا كنت دون أَصْحَابِي حَتَّى أَحول بَينه وَبَين الْوَفَاء بهَا ثمَّ ولى وَهُوَ يَقُول يَا ويله ثَلَاثًا علم مُوسَى مَا يحذر بِهِ بني ادم
حَدثنِي الْقَاسِم بن هَاشم عَن إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث عَن فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ حَدثنِي بعض أشياخنا أَن إِبْلِيس جَاءَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ يُنَاجِي ربه عز وَجل فَقَالَ لَهُ الْملك وَيلك مَا ترجو مِنْهُ وَهُوَ على ذَلِك الْحَال يُنَاجِي ربه قَالَ أَرْجُو مِنْهُ مَا رَجَوْت من أَبِيه آدم وَهُوَ فِي الْجنَّة وَقد قدمنَا فِي تعرض الشَّيْطَان لنوح عَلَيْهِ السَّلَام قصَّة لإبليس مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنه سَأَلَهُ الدُّعَاء لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَأَن مُوسَى دَعَا ربه فَقيل يَا مُوسَى قد قضيت حَاجَتك وَإِن إِبْلِيس حذر مُوسَى ثَلَاثًا كَمَا حذره هُنَا ثَلَاثًا
الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لذِي الكفل عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا قبيصَة حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عبد الله بن الْحَارِث فِي ذِي الكفل قَالَ قَالَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء لمن مَعَه هَل مِنْكُم من يكفل لي لَا يغْضب وَيكون معي فِي درجتي وَيكون بعدِي فِي قومِي فَقَالَ شَاب من الْقَوْم أَنا ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّاب انا فَلَمَّا مَاتَ قَامَ الشَّاب بعده فِي مقَامه فأتاء إِبْلِيس ليغضبه فَقَالَ الرجل اذْهَبْ مَعَه فجَاء فَأخْبرهُ أَنه لم ير شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَأرْسل مَعَه آخر فجَاء فَقَالَ لم أر شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَأَخذه بِيَدِهِ فانفلت مِنْهُ فَسمى ذَا الكفل لِأَنَّهُ كفل ان لَا يغْضب
الْبَاب الموفي ثَلَاثِينَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره حَدثنَا أبي حَدثنَا مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل حَدثنَا حَمَّاد أَنبأَنَا عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس أَن الشَّيْطَان قَالَ يَا رب سَلطنِي على أَيُّوب قَالَ الله تَعَالَى قد سلطتك على مَاله وَولده وَلم أسلطك على جسده فَنزل وَجمع جُنُوده فَقَالَ لَهُم قد سلطت على أَيُّوب فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا ثمَّ صَارُوا مَاء فَبَيْنَمَا هم بالمشرق إِذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إِذا هم بالمشرق فَأرْسل طَائِفَة مِنْهُم إِلَى زرعه وَطَائِفَة إِلَى إبِله وَطَائِفَة إِلَى بقره وَطَائِفَة إِلَى غنمه وَقَالَ إِنَّه لَا يعتصم مِنْكُم إِلَّا بِالصبرِ فَأتوهُ بالمصائب بَعْضهَا على بعض فجَاء صَاحب الزَّرْع فَقَالَ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على زرعك نَارا فَأَحْرَقتهُ ثمَّ جَاءَ صَاحب الْإِبِل فَقَالَ لَهُ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل إِلَى إبلك عدوا فَذهب بهَا ثمَّ جَاءَ صَاحب الْغنم فَقَالَ لَهُ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على غنمك عدوا فَذهب بهَا وَتفرد هُوَ لِبَنِيهِ فَجَمعهُمْ فِي بَيت أكبرهم فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت الرّيح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فجَاء الشَّيْطَان إِلَى أَيُّوب بِصُورَة غُلَام فِي أُذُنَيْهِ قرطان قَالَ يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك جمع بنيك فِي بَيت أكبرهم فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت ريح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فَلَو رَأَيْتهمْ حِين اخْتلطت دِمَاؤُهُمْ بطعامهم وشرابهم فَقَالَ أَيُّوب لَهُ فَأَيْنَ كنت أَنْت قَالَ كنت مَعَهم قَالَ وَكَيف انفلت قَالَ انفلت قَالَ ايوب أَنْت الشَّيْطَان ثمَّ قَالَ أَيُّوب أَنا الْيَوْم كهيئتي يَوْم ولدتني أُمِّي فَقَامَ فحلق رَأسه ثمَّ قَامَ يُصَلِّي فرن إِبْلِيس رنة سَمعهَا أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض ثمَّ قرح إِلَى السَّمَاء فَقَالَ أَي رب إِنَّه قد اعْتصمَ فسلطني عَلَيْهِ فَإِنِّي لَا استطيعه إِلَّا بسلطانك قَالَ قد سلطتك على جسده وَلم أسلطك على قلبه قَالَ فَنزل فَنفخ تَحت قَدَمَيْهِ نفخة فرج مَا بَين قَدَمَيْهِ إِلَى قرنه فَصَارَ قرحَة وَاحِدَة وَألقى على الرماد حَتَّى بدا بَطْنه فَكَانَت امْرَأَته تسْعَى عَلَيْهِ حَتَّى قَالَت لَهُ أما ترى يَا أَيُّوب قد وَالله نزل بِي من الْجهد والفافة مَا إِن بِعْت قروني برغيف فأطعمك أدع الله أَن يشفيك قَالَ وَيحك كُنَّا فِي النعماء سبعين عَاما فاصبري حَتَّى نَكُون فِي الضراء سبعين عَاما فَكَانَ فِي الْبلَاء سبع سِنِين وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد حَدثنَا سوار بن عبد الله الْعَنْبَري حَدثنَا مُعْتَمر بن سلمَان عَن لَيْث عَن طَلْحَة بن مصيرف قَالَ قَالَ إِبْلِيس مَا أصبت من أَيُّوب شَيْئا أفرح بِهِ إِلَّا إِنِّي كنت إِذا سَمِعت أنينه علمت أَنِّي قد أوجعته حَدثنَا فُضَيْل ابْن عبد الْوَهَّاب حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن ابْن وهب بن مُنَبّه عَن أَبِيه قَالَ قَالَ إِبْلِيس لامْرَأَة أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أَصَابَكُم مَا أَصَابَكُم قَالَت بِقدر الله تَعَالَى قَالَ فاتبعيني فَأَتْبَعته فأراها جَمِيع مَا ذهب مِنْهُم فِي وَاد فَقَالَ اسجدي لي وأرده عَلَيْكُم فَقَالَت إِن لي زوجا أستأمره فاخبرت أَيُّوب فَقَالَ أما آن لَك أَن تعلمي ذَاك الشَّيْطَان لَئِن بَرِئت لأضربنك مائَة جلدَة
الكتاب: آكام المرجان في أحكام الجان
المؤلف: محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقيّ الحنفي، أبو عبد الله، بدر الدين ابن تقي الدين (المتوفى: 769هـ)
المحقق: إبراهيم محمد الجمل
الناشر: مكتبة القرآن – مصر – القاهرة