احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع من بهم مس الجان .
وهذه المرأة اسمها أم زفر كما روى ذلك البخاري في صحيحه عن عطاء ، والظاهر أن الصرع الذي كان بهذه المرأة كان من الجن 0
قال الحافظ بن حجر في الفتح ( وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت : إني أخاف الخبيث أن يجردني ، – والخبيث هو الشيطان – فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها 000 ثم قال : وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط انتهى ) ( فتح الباري – 10 / 115 ، أنظر الدين الخالص – ص 74 ، 84 ، 85 ) 0
قال النووي : ( وفي حديث المرأة التي كانت تصرع دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 16 ، 17 ، 18 / 102 ) 0
قلت : اختلف أهل العلم في بيان صرع الصحابية الجليلة ( أم زفر ) – رضي الله عنها – هل هو عضوي أم شيطاني ، والذي يترجح لدي في هذه المسألة بأن الصرع الذي كانت تعاني منه هذه الصحابية هو النوع الثاني ، أي الصرع الشيطاني بدليل نص الحديث الثاني الذي أوردته في سياق أدلة إثبات صرع الجن للإنس ، وأعتقد أنه طريق آخر لحديث ( أم زفر ) الأول ، حيث ورد في الحديث ما نصه : ” أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها طيف ” وقد ورد في المعاجم بأن الطيف هو المس من الشيطان ، وكذلك ما نص عليه الحافظ بن حجر – رحمه الله – في تعقيبه على حديث ( أم زفر ) بقوله : ” وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط ” والله تعالى أعلم 0
قال الأستاذ عبدالكريم نوفان عبيدات : ( فهذا الحديث قد دل على أن الشيطان يصرع الإنسان بحيث يصير مجنونا ، فقد انطلق الوازع بابن له – أو ابن أخت له – مجنون – كما جاء في الحديث ، حتى جاء به إلى رسول الله عليه وسلم فجعل يعالجه عليه الصلاة والسلام ويضرب ظهره وهو يقول للشيطان : ” أخرج عدو الله ، أخرج عدو الله ” وفي هذا دليل على أن جنون الصبي كان بفعل صرع الشيطان له ، فما كان الشيطان يملك إلا أن يطيع المصطفى – عليه الصلاة والسلام – فيخرج من الصبي ، فيعود مشافى معافى ، ليس في القوم أحد أفضل منه ) ( عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة – ص 265 – 266 ) 0
قال صاحبا كتاب ” طارد الجان ” : ( ونحن نجد في كلمة ” أخرج عدو الله ” دليل قاطع يقطع الطريق على الذين ينكرون دخول الجن إلى الجسد لأننا لو تأملنا اللفظ نجد كلمة ” أخرج ” وهي تدل على أن هناك دخول قد حدث وإلا ما كان خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ ” أخرج ” ) ( طارد الجان – ص 58 ) 0
قلت : وفي هذا الحديث دلالة أكيدة على صرع الجن للإنس ، حيث أحضر الغلام للنبي صلى الله عليه وسلم في حالة من الجنون والتخبط وقد أمر عليه الصلاة والسلام الجني الصارع بقوله : ” أخرج عدو الله ، أخرج عدو الله ” ، وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب أحدا ما بهذا القول ، ولو كان غير ذلك لما قال عليه الصلاة والسلام : ” أخرج ” وهذا يعني أنه قد علم يقينا بحالة الغلام ومعاناته إما نتيجة الكشف والمعاينة أو أنه أخبر بوحي من السماء بأن معاناة الغلام هي نتيجة مس شيطاني ، وبناء عليه فقد تعامل صلى الله عليه وسلم مع هذه الحالة بما تحتاج إليه من انتهار وزجر ونحوه حتى عاد الغلام وما به قلبه ، وهذا الحديث يدل دلالة أكيدة واضحة على أن الغلام تعرض لأذى الأرواح الخبيثة والله تعالى أعلم 0
يقول الدكتور عبد الحميد هنداوي المدرس بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة – ردا على صاحب ” الاستحالة ” : ( 00 وبذلك جعل الاختلاف في اللفظ من قبيل الاضطراب الذي يرد به الحديث !! وليس الأمر كذلك ، وذلك لأن تفل النبي صلى الله عليه وسلم في جوف المريض في هذا الحديث ، وتوجيه الخطاب إلى الجني في جوفه بأي لفظ كان لهو أقوى دليل على دخول الجني ، واستقراره في جوفه 0
فضلا عن أن لفظ : ” اخسأ ” يعني الطرد ، والزجر ، والإبعاد ؛ كما تبينه المعاجم ، وهذا يدل على أن الجني إما مستقر في جوفه ، أو ملازم له مقترن به ، مماس له ، ولو من الخارج 0
ومعلوم أنه لو كان الجن خارجا عنه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفل في جوف المريض ، بل كان يتفل حيث يستقر الجني ) ( الدليل والبرهان على دخول الجان في بدن الإنسان – ص 8 ) 0
وقال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – ردا على كلام صاحب ” الاستحالة ” : ( لقد شكك في دلالة الحديث على الدخول ؛ بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات ( ! ) ، ولكن ليس
يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض ، وإنما علينا أن نأخذ منها ما اتفق عليه الأكثر ، وإن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول : ” اخرج ” أصح من الآخر : ” اخسأ ” ؛ لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها ، واللفظ الآخر جاء في روايتين منها فقط !
وإن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة ، الذي سيكون القاضي بإذن الله على كتاب ” الاستحالة ” المزعومة ، مع ما تقدم من البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره ) ( السلسلة الصحيحة – 2988 ) 0
قلت : قول المرأة ” يؤخذ في اليوم لا أدري كم مرة ” دليل على أن هذا الصبي كان يصرع ويأتيه ما يأتيه من البلاء ، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعاني من مس شيطاني خبيث ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : ( ناولينيه ) ومن ثم فغر فاه ونفث فيه ثلاثا وخاطبه صلى الله عليه وسلم قائلا : ” بسم الله ، أنا عبد الله ، اخسأ عدو الله ” ، فما كان من ذلك الخبيث إلا طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومفارقته لجسد الغلام وعودته سليما معافى بإذن الله سبحانه وتعالى وببركة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بدليل انتظار المرأة له عليه الصلاة والسلام ومكافأته على فعله ، والحديث بمتابعاته جيد لا يقدح فيه ، فهذه طرق جيدة متعددة ، تفيد غلبة الظن أو القطع عند ( المتبحرين ) أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة والله تعالى أعلم 0
قلت : ومع ضعف الحديث آنف الذكر إلا أن معناه صحيح وقد أكدت كثير من الأحاديث السابقة على نفس المعنى المشار إليه في هذا الحديث ، وحددت بما لا يدع مجالا للشك مسألة عقدية هامة تتمثل بدخول الجان لبدن الإنسان وتلبسه وصرعه ، وهذا ما أجمعت عليه الأمة ، إلا الندرة القليلة التي شذت عن ذلك ، وبالعموم فالقول الفصل في إثبات صرع الجن للإنس معلوم ومن لم يكفه الدليل النقلي والحسي المشاهد في تحقيق هذه المسألة ، فما أعتقد إلا أنه صاحب نظر قاصر وهوى فكري لا يستند إلى الدليل بل يرجح في عقله القال والقيل ، وعليه فينصح بالعلاج الفكري أو العودة الصادقة للمنهل العذق والأصول والأحكام المقررة لا إلى الأقوال المجردة 0
قال الأستاذ عبدالكريم نوفان عبيدات : ( فهذه الأحاديث بطرقها المختلفة قد دلت على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب الشيطان الذي صرع الصبي وأفقده عقله ، بقوله له : بسم الله ، أنا عبد الله ، اخسأ عدو الله 0 فيعود الصبي وقد ذهب ما به ، وتهدي تلك المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كبشين وشيئا من لبن وسمن ، فيرد – عليه السلام – الكبشين كما جاء في بعض الروايات ، ويأخذ أحدهما كما في روايات أخرى ، ويأخذ اللبن والسمن ، ولعلها تكون حوادث مختلفة ، وهي تدل دلالة مباشرة على أن شرار الجن يصرعون الإنس ، فيصاب المصروع بالجنون ، حيث يجعله يتخبط في حركاته ) ( عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة – ص 267 – 268 ) 0
يقول العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – : ( وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة – 2918 ) 0
يقول الدكتور فهد بن ضويان السحيمي عضو هيئة التدريس في الجامعة النبوية في أطروحته المنظومة لنيل درجة الماجستير : ( الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم ” أخرج عدو الله ” وقول عثمان بن أبي العاص : ما أحسبه خالطني بعد 0 وجه الدلالة الخروج لا يكون إلا لشيء داخل الجسم وكذلك المخالطة وذلك مما يدل على تلبس الجن بالإنس ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 116 ) 0
قلت : وفي هذا الحديث الصحيح دلالة قوية على مسألة صرع الجن للإنس ، فالظاهر من سياق الحديث آنف الذكر أن هذا الصحابي الجليل كان يعاني من مس شيطاني بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ” اخرج عدو الله ” ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المخاطب من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أو سراب أو خيال ، بل كائن ومخلوق موجود داخل جسد هذا الصحابي الجليل بكيفية وكنه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، وكونه صلى الله عليه وسلم ينفث في فيّ الصحابي ويضرب صدره ثلاثا زاجرا الشيطان متوعدا إياه ، يدل بما لا يدع مجالا للشك على حقيقة إثبات صرع الجن للإنس ، فتلك النصوص النقلية تؤكد هذا المفهوم ، ومن أعياه شيطانه عن إدراك ذالك فليراجع نفسه وليعالج عقله ، فربما أصابته لوثة شيطان أو نقص فهم وتجبر وطغيان 0
قال شمس الحق العظيم أبادي : ( ” إنا حدثنا ” بصيغة المجهول المتكلم ( إن صاحبكم هذا ) يعنون النبي صلى الله عليه وسلم ( هل إلا هذا ) أي هل قلت إلا فاتحة الكتاب ( قال خذها ) قال صاحب التوضيح : فيه حجة على أبي حنيفة في منعه أخذ الأجرة على تعليم القرآن ( لمن أكل برقية باطل ) جزاءه محذوف أي فعليه وزره وإثمه ( لقد أكلت برقية حق ) فلا وزر عليك ) ( عون المعبود – 10 / 277 ) 0
قلت : قد يستأنس بحديث عم خارجة بن الصلت التميمي على مسألة صرع الجن للإنس ، مع أن معاناة الرجل الموثق بالحديد قد تكون بسبب صرع الأرواح الخبيثة وقد تكون نتيجة لوثة في عقل الرجل أو أسباب أخرى ، حيث لم يشر الحديث صراحة للأسباب الحقيقية لمثل تلك المعاناة ، مع ترجيح الأمر الأول وهو الصرع والتخبط بدليل قول الإمام القرطبي – رحمه الله – : ” والمس الجنون ، يقال : مس الرجل وألس ، فهو ممسوس ومألوس إذا كان مجنونا ” والله تعالى أعلم…
منقول من منتدى الرقية الشرعية…