السحر المزيف والمعجزة الألهية – تفسير الطبري

مسألة: الجزء الخامس عشر التحليل الموضوعي [ ص: 160 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ( 81 ) )
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : يَقُولُ ، تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَلَمَّا أَلْقَوْا مَا هُمْ مُلْقُوهُ ، قَالَ لَهُمْ مُوسَى : مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ .
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ .
فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ ( مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ) عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنْ مُوسَى عَنِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ سِحْرٌ . كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى تَأْوِيلِهِمْ : قَالَ مُوسَى : الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ أَيُّهَا السَّحَرَةُ ، هُوَ السِّحْرُ .
وَقَرَأَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ الْبَصْرِيِّينَ : ( مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ مُوسَى إِلَى السَّحَرَةِ عَمَّا جَاءُوا بِهِ ، أَسِحْرٌ هُوَ أَمْ غَيْرُهُ ؟
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ لَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ ، لِأَنَّ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ السَّحَرَةُ أَنَّهُ سِحْرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، فَيَحْتَاجُ إِلَى اسْتِخْبَارِ السَّحَرَةِ عَنْهُ ، أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ؟
وَأُخْرَى أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَدْ كَانَ عَلَى عِلْمٍ مِنَ السَّحَرَةِ ، إِنَّمَا جَاءَ بِهِمْ فِرْعَوْنُ لِيُغَالِبُوهُ عَلَى مَا كَانَ جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ اللَّهُ آتَاهُ ، فَلَمْ يَكُنْ [ ص: 161 ] يَذْهَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَدِّقُونَهُ فِي الْخَبَرِ عَمَّا جَاءُوهُ بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ ، فَيَسْتَخْبِرُهُمْ أَوْ يَسْتَجِيزُ اسْتِخْبَارَهُمْ عَنْهُ ، وَلَكِنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ عَالِمٌ بِبُطُولِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَتَاهُ .
وَمُبْطِلٌ كَيْدَهُمْ بِحَدِّهِ .
وَهَذِهِ أَوْلَى بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنَ الْأُخْرَى .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا وَجْهُ دُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي ” السِّحْرِ ” إِنَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الْعَرَبِ فِي نَظِيرِ هَذَا أَنْ يَقُولُوا : ” مَا جَاءَنِي بِهِ عَمْرٌو دِرْهَمٌ وَالَّذِي أَعْطَانِي أَخُوكَ دِينَارٌ ” ، وَلَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا : الَّذِي أَعْطَانِي أَخُوكَ الدِّرْهَمُ وَمَا جَاءَنِي بِهِ عَمْرٌو الدِّينَارُ ؟
قِيلَ لَهُ : بَلَى ، كَلَامُ الْعَرَبِ إِدْخَالُ ” الْأَلِفِ وَاللَّامِ ” فِي خَبَرِ ” مَا ” وَ ” الَّذِي ” إِذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْ مَعْهُودٍ قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطِبُ وَالْمُخَاطَبُ ، بَلْ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، لِأَنَّ الْخَبَرَ حِينَئِذٍ خَبَرٌ عَنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ ، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بِغَيْرِ ” الْأَلِفِ وَاللَّامِ ” إِذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْ مَجْهُولٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ وَلَا مَقْصُودٍ قَصْدَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ، فَحِينَئِذٍ لَا تَدْخُلُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْخَبَرِ . وَخَبَرُ مُوسَى كَانَ خَبَرًا عَنْ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَ السَّحَرَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ نُسِبَتْ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَمًا لَهُ عَلَى صِدْقِهِ [ ص: 162 ] وَنُبُوَّتِهِ ، إِلَى أَنَّهُ سِحْرٌ ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : السِّحْرُ الَّذِي وَصَفْتُمْ بِهِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ أَيُّهَا السَّحَرَةُ ، هُوَ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ أَنْتُمْ ، لَا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَنَا . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ . فَقَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ) يَقُولُ : سَيَذْهَبُ بِهِ ، فَذَهَبَ بِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِأَنْ سَلَّطَ عَلَيْهِ عَصَا مُوسَى قَدْ حَوَّلَهَا ثُعْبَانًا يَتَلَقَّفُهُ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) يَعْنِي : أَنَّهُ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ مِنْ سَعَى فِي أَرْضِ اللَّهِ بِمَا يَكْرَهُهُ ، وَعَمِلَ فِيهَا بِمَعَاصِيهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : ( مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ ) .
وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : ( مَا جِئْتُمْ بِهِ سِحْرٌ ) وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّدُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِنَحْوِ الَّذِي اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِيهِ .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=2484&idto=2484&bk_no=50&ID =2497