تعريف إبليس والشيطان لغة واصطلاحاً
إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف
الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net
عدد الأجزاء: 11
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال الأكثرون: إن إبليس اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية، وقد ذكر ابن الأنباري أن إبليس لو كان اسماً عربياًلم يصرف كإكليل وإحليل

وذكر الطبري بأنه: (لم يصرف استثقالاً، إذ كان اسماً لا نظير له من أسماء العرب، فشبهته العرب إذ كان كذلك بأسماء العجم التي لا تجري كما في إسحاق حيث لم يجروه، وهو مشتق من أسحقه الله إسحاقاً، إذ وقع ابتداء اسماً لغير العرب التي تسمت به العرب، فجري مجراه، وهو من أسماء العجم في الإعراب فلم يصرف، وكذلك أيوب إنما هو من آب يئوب)

قال ابن حجر: (وقد تعقب بأنه لو كان اسماً عربياً مشتقاً من الإبلاس لكان قد سمي به بعد يأسه من رحمة الله بطرده ولعنه)





وذكر ابن الأثير أن نون الشيطان إذا جعلت أصلية كان من الشطن وهو: البعد عن الخير, أو الحبل الطويل، كأنه طال في الشر، وإن جعلت زائدة كان من شاط يشيط: إذا هلك، أو من استشاط غضباً، إذا احتد في غضبه والتهب، قال: والأول أصح


والشطن: البعد، ومنه شطنت داره، أي بعدت، ويقال: نوى شطون أي بعيدة، وبئر شطون: أي بعيدة القعر، ويقال للحبل شطن سمي بذلك لطوله، وجمعه أشطان، و في الحديث: كل هوى شاطن في النار


قال محمد بن إسحاق: (إنما سمي شيطاناً لأنه شطن عن أمر ربه، والشطون البعيد النازح)

وقال أبو عبيد: (الشيطان كل عات متمرد من إنس, أو جن)



ثانيا: تعريف إبليس والشيطان في الاصطلاح:
تردد لفظ إبليس والشيطان في مواضع متعددة من القرآن الكريم، فقد ورد لفظ إبليس في أحد عشر موضعاً، ولم يرد هذا اللفظ إلا مفرداً في هذه المواضع جميعاً.
أما لفظ الشيطان فقد جاء مفرداً ومجموعاً، فقد ورد مفرداً في سبعين موضعاً، وأما بلفظ الجمع فقد ورد في ثمانية عشر موضعاً، عدا من المواضيع التي ورد فيها لفظ الجن والجِنَّة، التي يراد في كثير منها الشيطان مفرداً ومجموعاً.
وعلى هذا الأساس فما المراد بإبليس والشيطان في هذه المواضع؟
إبليس هو ذلك المخلوق من النار، والذي كان يجالس الملائكة ويتعبد معهم، وليس من جنسهم كما سيأتي، فلما أمر الله ملائكته بالسجود لآدم خالف أمر ربه بتكبره على آدم لادعائه أن النار التي خلق منها خير من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام،فكان جزاء هذه المخالفة أن طرده الله عن باب رحمته, ومحل أنسه, وحضرة قدسه, وسماه إبليس إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة، وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض، فسأل الله النظرة إلى يوم البعث، فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه، فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى ، وقال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82-83]. وكما قال عز وجل عنه: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً [الإسراء: 62]. وهؤلاء هم المستثنون في قوله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً [ الإسراء: 65].
وإبليس واحد من الجن، وهو أبو الشياطين والمحرك لهم لفتنة الناس وإغوائهم، وقد ذكره الله في قصة امتناعه من السجود لآدم وذلك كقوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [ البقرة: 34].
وقد أطلق عليه القرآن اسم الشيطان في مواضع، منها قوله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [ الأعراف: 20]. وقوله: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [ الأعراف: 27]. الآية.
فالشيطان في هذه الآيات مراد به إبليس، لأن القرآن يتحدث عن قصة إغوائه لآدم وحواء عليهما السلام.
والذي يتأمل القرآن يرى أن إطلاق لفظ إبليس لم يرد إلا في معرض الحديث عن إباء إبليس من السجود لآدم، ولم يرد هذا الإطلاق خارج الحديث عن إبائه من السجود إلا في موضعين:
الأول: في سورة الشعراء وهو قوله تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ [ الشعراء: 94-95]. وفي هذا الموضع يكون مراداً به جمع إبليس وجنوده من الجن والإنس في نار جهنم، باعتبار الرئيس والأتباع.
الثاني: في سورة سبأ في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [ سبأ: 20]. وهذا هو الموضع الوحيد الذي ورد فيه لفظ إبليس في معرض الحديث عن ممارسة غوايته وإفساده للناس.
وأما لفظ الشيطان فقد يراد به إبليس خاصة، كما في قصة آدم وإبليس كقوله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا[ البقرة: 36]. وقوله: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا [ الأعراف: 20].
وقد يراد بالشيطان كل شرير مفسد داع للغي والفساد من الجن والإنس، كما في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [ الأنعام: 112].
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال: يا نبي الله، وهل للإنس شياطين؟ قال: نعم: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [ الأنعام: 112].)).
وقد يطلق لفظ الشيطان كذلك على المتميز بالخبث والأذى من الحيوان، فعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: (ركب عمر برذوناً, فجعل يتبختر به، فضربه فلم يزدد إلا تبختراً، فنزل عنه وقال: ما حملتموني إلا على شيطان، لقد أنكرت نفسي) .
وعلى هذا فإن الشيطان إذا أريد به الجنس فله معنيان: معنى خاص, ومعنى عام.
فأما الخاص فيراد به إبليس وذريته المخلوقون من النار، والذين لهم القدرة على التشكل، وهم يتناكحون, ويتناسلون, ويأكلون, ويشربون، وهم محاسبون على أعمالهم في الآخرة، مطبوعون بفطرتهم على الوسوسة والإغواء، وهم بهذا عاملون على التفريق والخراب، جاهدون لفصل ما أمر الله به أن يوصل، ووصل ما أمر الله به أن يفصل، وإبرام ما يجب فصمه، وفصم ما يجب إبرامه، فهم والملائكة على طرفي نقيض .
وأما المعنى العام فيراد به كل مخلوق عات متمرد من الإنس, والجن, والدواب, فأما من جانب الجن والإنس فهو التمرد والعصيان لأمر الله, ومحاولة بذر الفساد في الأرض بشتى صوره وأشكاله قال تعالى: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [ الأنعام: 112].
وأما من جانب الدواب فهو الخبث والأذى الذي تميزت به عن جنسها..