” عمرو بن معد يكرب ”
وقال الخرائطي حدثني أبو الحارث محمد بن مصعب الدمشقي وغيره حدثنا سليمان بن بنت شرحبيل الدمشقي حدثنا عبدالقدوس بن الحجاج حدثنا خالد بن سعيد عن الشعبي عن رجل قال كنت في مجلس عمر بن الخطاب وعنده جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتذاكرون فضائل القرآن فقال بعضهم خواتيم سورة النحل وقال بعضهم سورة يس وقال علي فأين أنتم عن فضيلة آية الكرسي أما إنها سبعون كلمة في كل كلمة بركة قال وفي القوم عمرو بن معدي كرب لا يحير جوابا فقال أين أنتم عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال عمر حدثنا يا أبا ثور قال بينا أنا في الجاهلية إذ جهدني الجوع فأقحمت فرسي في البرية فما أصبت الا بيض النعام فبينا أنا أسير إذا أنا بشيخ عربي في خيمة وإلى جانبه جارية كأنها شمس طالعة ومعه غنيمات له فقلت له استأسر ثكلتك أمك فرفع رأسه إلي وقال يا فتى إن أردت قرى فانزل وإن أردت معونة اعناك فقلت له أستأسر فقال
عرضنا عليك النزل منا تكرما * فلم ترعوي جهلا كفعل الأشائم
وجئت ببهتان وزور ودون ما * تمنيته بالبيض حز الغلاصم
قال ووثب إلي وثبة وهو يقول بسم الرحمن الرحمن الرحيم فكأني مثلت تحته ثم قال اقتلك أم أخلي عنك قلت بل خل عني قال فخلى عني ثم إن نفسي جاذبتني بالمعاودة فقلت استأسر ثكلتك أمك فقال
ببسم الله والرحمن فزنا * هنالك والرحيم به قهرنا
وما تغني جلادة ذي حفاظ * إذا يوما لمعركة برزنا
ثم وثب لي وثبة كأني مثلت تحته فقال أقتلك أم أخلي عنك قال قلت بل خل عني فخلى عني فانطلقت غير بعيد ثم قلت في نفسي يا عمرو أيقهرك هذا الشيخ والله للموت خير لك من الحياة فرجعت إليه فقلت له استأسر ثكلتك أمك فوثب إلي وثبة وهو يقول بسم الله الرحمن الرحيم فكأني مثلت تحته فقال أقتلك أم أخلي عنك قلت بل خل عني فقال هيهات يا جارية إئتني بالمدية فأتته بالمدية فجز ناصيتي وكانت العرب إذا ظفرت برجل فجزت ناصيته استعبدته فكنت معه أخدمه مدة ثم إنه قال يا عمرو أريد أن تركب معي البرية وليس بي منك وجل فإني ببسم الله الرحمن الرحيم لواثق قال فسرنا حتى أتينا واديا أشبا مهولا مغولا فنادى بأعلى صوته بسم الله الرحمن الرحيم فلم يبق طير في وكره إلا طار ثم أعاد القول فلم يبق سبع في مربضه إلا هرب ثم أعاد الصوت فإذا نحن بحبشي قد خرج علينا من الوادي كالنخلة السحوق فقال لي ياعمرو إذ رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي بسم الله الرحمن الرحيم قال فلما رأيتهما قد اتحدا قلت غلبه صاحبي باللات والعزى فلم يصنع الشيخ شيئا فرجع إلي وقال قد علمت أنك قد خالفت قولي قلت أجل ولست بعائد فقال إذا رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم فقلت أجل فلما رأيتهما قد اتحدا قلت غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم فاتكأ عليه الشيخ فبعجه بسيفه فاشتق بطنه فاستخرج منه شيئا كهيئة القنديل الأسود ثم قال يا عمرو هذا غشه وغله ثم قال أتدري من تلك الجارية قلت لا قال تلك الفارعة بنت السليل الجرهمي من خيار الجن وهؤلاء أهلها بنو عمها يغزونني منهم كل عام رجل ينصرني الله عليه ببسم الله الرحمن الرحيم ثم قال قد رأيت ما كان مني إلى الحبشي وقد غلب علي الجوع فائتني بشيء آكله فأقحمت بفرسي البرية فما أصبت الا بيض النعام فأتيته به فوجدته نائما وإذا تحت رأسه شيء كهيئة الحشبة فاستللته فإذا هو سيف عرضه شبر في سبعةأشبار فضربت ساقيه ضربة أبنت الساقين مع القدمين فاستوى على قفا ظهره وهو يقول قاتلك الله ما أغدرك يا غدار قال عمر ثم ماذا صنعت قلت فلم أزل أضربه بسيفي حتى قطعته إربا إربا قال فوجم لذلك ثم أنشأ يقول
بالغدر نلت أخا الإسلام عن كثب * ما إن سمعت كذا في سالف العرب
والعجم تأنف مما جئته كرما * تبا لما جئته في السيد الأرب
إني لأعجب أني نلت قتلته * أم كيف جازاك عند الذنب لم تنب
قرم عفا عنك مرات وقد علقت * بالجسم منك يداه موضع العطب
لو كنت آخذ في الإسلام ما فعلوا * في الجاهلية أهل الشرك والصلب
إذا لنالتك من عدلي مشطبة * تدعو لذائقها بالويل والحرب
قال ثم ما كان من حال الجارية قلت ثم إني أتيت الجارية فلما رأتني قالت ما فعل الشيخ قلت قتله الحبشي فقالت كذبت بل قتلته أنت بغدرك ثم أنشأت تقول
يا عين جودي للفارس المغوار * ثم جودي بواكفات غزار
لا تملي البكاء إذ خانك الدهر * بواف حقيقة صبار
وتقي وذي وقار وحلم * وعديل الفخار يوم الفخار
لهف نفسي على بقائك عمرو * أسلمتك الأعمار للأقدار
ولعمري لو لم ترمه بغدر * رمت ليثا كصارم بتار
قال فأحفظني قولها فاستللت سيفي ودخلت الخيمة لأقتلها فلم أر في الخيمة أحدا فاستقت الماشية وجئت إلى أهلي وهذا أثر عجيب والظاهر أن الشيخ كان من الجان وكان ممن أسلم وتعلم القرآن وفيما تعلمه بسم الله الرحمن الرحيم وكان يتعوذ بها .
القصة الرابعه” النجاشي وورقة بن نوفل ”
وقال الخرائطي حدثنا عبدالله بن محمد البلوى حدثنا عمارة بن زيد قال حدثني عبدالله بن العلاء عن هشام بن عروة عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت كان زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل يذكران أنهما أتيا النجاشي بعد رجوع أبرهة من مكة قالا فلما دخلنا عليه قال لنا أصدقاني أيها القرشيان هل ولد فيكم مولود أراد أبوه ذبحه فضرب عليه بالقداح فسلم ونحرت عنه ابل كثيرة قلنا نعم قال فهل لكما علم به ما فعل قلنا تزوج امرأة يقال لها آمنة بنت وهب تركها حاملا وخرج قال فهل تعلمان ولد أم لا قال ورقة بن نوفل أخبرك أيها الملك أني ليلة قد بت عند وثن لنا كنا نطيف به ونعبده إذ سمعت من جوفه هاتفا يقول
ولد النبي فذلت الأملاك * ونأى الضلال وأدبر الإشراك
ثم انتكس الصنم على وجهه فقال زيد بن عمرو بن نفيل عندي كخبره أيها الملك قال هات قال أنا في مثل هذه الليلة التي ذكر فيها حديثه خرجت من عند أهلي وهم يذكرون حمل آمنة حتى أتيت جبل أبي قبيس أريد الخلو فيه لأمر رابني إذ رأيت رجلا نزل من السماء له جناحان أخضران فوقف على أبي قبيس ثم أشرف على مكة فقال ذل الشيطان وبطلت الأوثان ولد الأمين ثم نشر ثوبا معه وأهوى به نحو المشرق والمغرب فرأيته قد جلل ما تحت السماء وسطع نور كاد أن يختطف بصري وهالني ما رأيت وخفق الهاتف بجناحيه حتى سقط على الكعبة فسطع له نور أشرقت له تهامة وقال ذكت الأرض وأدت ربيعها وأومأ إلى الأصنام التي كانت على الكعبة فسقطت كلها قال النجاشي ويحكما أخبركما عما أصابني إني لنائم في الليلة التي ذكرتما في قبة وقت خلوتي إذ خرج علي من الأرض عنق ورأس وهو يقول حل الويل بأصحاب الفيل رمتهم طير أبابيل بحجارة من سجيل هلك الأشرم المعتدي المجرم وولد النبي الأمي المكي الحرمي من أجابه سعد ومن أباه عتد ثم دخل الأرض فغاب فذهبت أصيح فلم أطق الكلام ورمت القيام فلم أطق القيام فصرعت القبة بيدي فسمع بذلك أهلي فجاؤني فقلت أحجبوا عني الحبشة فحجبوهم عني ثم أطلق عن لساني ورجلي.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في قصة المولد رؤيا كسرى في سقوط أربع عشرة شرافة من إيوانه وخمود نيرانه ورؤيا موئذانه وتفسير سطيح لذلك على يدي عبد المسيح.
القصة الخامسه” بني هند وهاتف الجن ”
وروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه في ترجمة الحارث بن هانىء بن المدلج بن المقداد بن زمل بن عمرو العذري عن أبيه عن جده عن أبيه عن زمل بن عمرو العذري قال كان لبني عذرة صنم يقال له حمام وكانوا يعظمونه وكان في بني هند بن حرام بن ضبة بن عبد بن كثير بن عذرة وكان سادنه رجلا يقال له طارق وكانوا يعترون عنده فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا يقول يا بني هند بن حرام ظهر الحق وأودى صمام ودفع الشرك الإسلام قال ففزعنا لذلك وهالنا فمكثنا أياما ثم سمعنا صوتا وهو يقول يا طارق يا طارق بعث النبي الصادق بوحي ناطق صدع صادع بأرض تهامة لناصريه السلامة ولخاذليه الندامة هذا الوداع مني إلى يوم القيامة قال زمل فوقع الصنم لوجهه قال فابتعت راحلة ورحلت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومي وأنشدته شعرا قلته
إليك رسول الله أعملت نصها * وكلفتها حزنا وغورا من الرمل
لأنصر خير الناس نصرا مؤزرا * وأعقد حبلا من حبالك في حبلي
وأشهد أن الله لا شيء غيره * أدين به ما أثقلت قدمي نعلي
قال فأسلمت وبايعته وأخبرناه بما سمعنا فقال ذاك من كلام الجن ثم قال يا معشر العرب إني رسول الله إليكم وإلى الأنام كافة أدعوهم إلى عبادة الله وحده وإني رسوله وعبده وأن تحجوا البيت وتصوموا شهرا من إثني عشر شهرا وهو شهر رمضان فمن أجابني فله الجنة نزلا ومن عصاني كانت النار له منقلبا قال فأسلمنا وعقد لنا لواء وكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لزمل بن عمرو ومن أسلم معه خاصة إني بعثته إلى قومه عامدا فمن أسلم ففي حزب الله ورسوله ومن أبى فله أمان شهرين شهد علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة الأنصاري ثم قال ابن عساكر غريب جدا.