الجنُّ في المعتقد الشعبي
وربما كان لانتشار تلك الأساطير وتصديقها أسباب وجيهة في المجتمعات غير المسلمة نظراً لافتقادهم لمصدر موثوق يخبرهم عن هذا العالم المجهول والغريب ، لكن ما هو سبب انتشار تلك الأساطير وما ترسمه من معتقدات خاطئة ، وما يتبع ذلك من ممارسات خطيرة في مجتمعاتنا المسلمة ، والقرآن قد اعتنى بكشف هذا العالم الخفي ، وكذلك السنة النبوية المطهرة ، حتى لا تجد الأساطير والخرافات مجالاً في عقل المسلم تحرفه عن اعتقاده أو تؤثر على سلوكه ، ولعل السبب وراء انتشار تلك الظاهرة – في نظرنا – يعود إلى بعد الناس عن تلقي هذه المعرفة ( المعرفة بالجن ) من مصادر الشرع المطهر ، وتلقيها من أساطير وأحاديث الناس ، ولا سيما الكهنة والسحرة الذين يحاولون إضفاء نوع من الهالة على ما يقومون به من اتصال بالجن ، وبقاء بعض الأقوام على ما ورثوه من عادات وتصورات جاهلية ، لم يصححوها بعد إسلامهم ، فتناقلت الأجيال هذه التصورات والعادات إلى يومنا هذا لتصبح جزءا من الموروث الشعبي الذي يتحدث عن عالم الجن الغريب ، تلك هي أهم الأسباب التي شكلت تلك التصورات عن الجن .
ونحاول في هذا المقال أن نعرض لبعض معتقدات الشعوب في الجن وعالمهم ، لنرصد تلك الظاهرة وأثرها على عقيدة المسلم وسلوكه ، ونلفت انتباه المصلحين لمعالجتها والتنبيه على أخطارها .
أولا : من معتقدات النوبيين في الجن :
لا يزال كثير من النوبيين يلقون الطعام ويوقدون الشموع للدجري ” جن النيل ” حتى يومنا هذا في طقوس زائدة تنم عن الإجلال والتهيب والخوف والرجاء .. ويعتقد أهل النوبة أن ” الدجري ” كائنات خيرة تحمي من الأمراض ، وتحفظ الأطفال من الغرق في النيل ، وتقي من العقم ، وفي مقابل ذلك يدفع لها النوبيون الطعام بصورة ثابتة ودائمة .. ففي الزواج والولادة والختان وغيرها يتوجه الناس إلى النيل حاملين معهم الثريد .. وربما تذبح ذبيحة لهذا الغرض ، ويضعون الطعام في شيء شبيه بالزورق من سعف النخيل ، مع شيء من الزيت ، وفتيل من القطن مشتعل ، ويتركون هذا كله على سطح الماء ، وسط الأغاني والاحتفالات ، وربما قذف بعضهم الطعام قذفـًا في الماء أو رمى بالعطور والحناء، ويأخذون قليلاً من ماء النيل ليمسحوا جسد الصبي تبركـًا، وكذا المرأة العقيم . فهي طقوس تجمع بين الرؤية الوثنية ، وعبادة الجن ، والتعميد بالماء كما يفعل النصارى ، مع خلط ذلك كله بلمسة من الأدعية الإسلامية ، ليخرج مزيج غريب من المعتقدات غير السوية .
من معتقدات اليمنيين في الجن:
وفي بلاد اليمن حيث تنتشر هذا المعتقدات الضالة في مكان وتقل أو تنعدم في مكان آخر تبعا لزيادة ونقصان الوعي الديني لدى الناس ، يحدثنا الشيخ القاضي عبد القادر العماري أن الصيادين في مطلع موسم الصيد يحرصون على أن يكون صيدهم وفيرًا وموسمهم عامرًا ، لذلك كانوا يلجؤون إلى الممارسات الخرافية ، فكانوا يأتون بكبش أسود اللون ، يدفعونه إلى البحر حتى يتخبط في شباكهم ، ثم يذبحونه من قفاه ، ويقطعونه قطعـًا صغيرة يلقونه في المناطق التي يصطادون منها ، ويزعمون أن هذا يرضي الجن في البحر ، فيأذنون أن يخرج الصيد وفيرًا ، وذكر أيضاً أن الزراع قبل البذر يأتون بكبش يذبحونه ثم يأخذون أمعاءه ، ويدفنونها في وسط الحقل ، يظنون أن الجن سترضى بذلك ، وأن السنابل ستكون حبلى بالحبوب مكتظة بالخير ، وهذه عادة وثنية ذات جذور قديمة ، فقد كان الإنسان القديم يقدم الفديات للآلهة الخاصة بالإخصاب وخدمة الأرض.
من معتقدات السودانيين في الجن :
أما في السودان المليء بالطرق الصوفية التي يعشش في زواياها الجهل والخرافات ، فتنتشر بينهم عادات غريبة ، نذكر منها ما يتعلق بمعالجة المجنون إذ يعتقد مشعوذوهم أن الجنون يقع بسبب الجن ، وبناء على ذلك يقومون بربط المجنون ، وتقييده ، وعزله في مكان خاص ، ثم يوجعونه ضرباً ، فيصيح المجنون ويستغيث ، لكن أنى له أن ينجو من عصي هؤلاء وجهلهم .
ثم يفرضون عليه أيضا نوعاً خاصاً من الطعام يتناوله ليس فيه دهن ولا دسم ، حيث يزعمون أنها تهيج الجن وتمنع شفاء المجنون.
ومن طرق هؤلاء المشعوذين في علاج المجنون كتابة بعض الطلاسم والحروف غير المفهومة في أوراق صغيرة ، ثم حرقها ليبخر بدخانها المريض ، وتسمى هذه العملية بالبَخَرة .
من معتقدات اليابانيين في الجن :
اليابانيون بلغوا قمة التكنولوجيا ، وتسنموا هرم التقنية ، إلا أن عقولهم تتجمد وتتحنط عندما تتعامل مع إرثها الثقافي ، فلا يحاول الياباني صانع الكمبيوتر ، ومهندس الإلكترونيات ، أن يُعمِل عقله نقداً وتمحيصاً في هذا الإرث الثقافي المليء بالخرافات والخزعبلات ، بل يسلم له تسليم مستسلم لصحته وصدقه ، اعتمادا على حسن ظنه بآبائه وأجداده ، وافتخارا بما كانوا عليه .
فمن معتقدات اليابانيين في الجن أنهم يظنون أن الجن تحضر زفاف العروسين ، لذلك وخوفا من شرهم يقومون بنثر الأرز والفواكه والتمر والنقود ، من أجل دفع شر هذه الأرواح الشريرة عن العروسين .
من اعتقادات سكان أمريكا الوسطى في الجن :
وفي أمريكا الوسطى حيث يجتمع التخلف والجهل ، لا تعدم الخرافة مكانا لها في ذلك الفضاء المليء بأسباب انتشارها ، إذ يعتقد السكان الأصليون في أمريكا الوسطى أن الخصوبة التي تصيب أرضهم ترجع إلى أرواح كامنة فيها ، فينتهزون فرصة موسم الحصاد لإقامة حفل جماعي تقدم فيه الأضاحي والقرابين ، وتقام فيه الصلوات والابتهالات استرضاءً وشكرًا على ما قدمت الأرواح للجماعة من نعمة الحصاد . فسبحان الله المعطيُّ الرازقُ الحليمُ على جهل الجاهلين وشرك المشركين .
هذه اعتقادات بعض الشعوب العربية وغيرها في الجن ، ولو تتبعنا هذه المعتقدات عند جميع الشعوب أو حتى أكثرها ، لتطلب ذلك كتابة المجلدات ، ولكن تكفي هذه العينة لتنبيه المصلحين لعلاج هذه الظاهرة ، وقد تعمدنا أن نذكر اعتقادات بعض البلاد الكافرة حتى لا يتهمنا أحد بأن التخلف والخرافة إنما هي من صفات العالم الإسلامي ، ولنخرج بقضية غاية في الأهمية وهي أن الجهل هو عدو البشرية الأول ، وإذا غاب العلم الصحيح ظهرت الخرافة والدجل ، ومما يدل على ذلك الانحسار الكبير الذي يؤديه انتشار الصحوة الإسلامية لهذه الخرافات والمعتقدات الضالة .