شرح حديث { إن إبلـيس يضع عرشـه على المآء }
شروح الحديث
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
علي بن سلطان محمد القاري
دار الفكر
سنة النشر: 1422هـ / 2002م
عدد الأجزاء: تسعة أجزاء
ـــــــــــــــــــ
الكتب » مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح » كتاب الإيمان » باب في الوسوسة
ــــــــــــــــــــ
مسألة: التحليل الموضوعي
71 – وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه يفتنون الناس ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا ، وكذا فيقول : ما صنعت شيئا . قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته . قال : فيدنيه منه ، ويقول : نعم أنت ” قال الأعمش : أراه قال : ” فيلتزمه ” رواه مسلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحاشية رقم: 1
71 – ( وعن جابر ) : رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( إن إبليس يضع عرشه ) أي : سريره ( على الماء ) : وفي رواية : على البحر ، والصحيح حمله على ظاهره ، ويكون من جملة تمرده ، وطغيانه وضع عرشه على الماء يعني جعله الله تعالى قادرا عليه استدراجا ليغتر بأن له عرشا على هيئة عرش الرحمن كما في قوله تعالى : ( وكان عرشه على الماء ) ويغر بعض السالكين الجاهلين بالله أنه الرحمن كما وقع لبعض الصوفية على ما ذكر في النفحات الأنسية في الحضرات القدسية ، ويؤيده قصة ابن صياد حيث قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أرى عرشا على الماء فقال له – عليه الصلاة والسلام – : ( ترى عرش إبليس ) ، وقيل : عبر عن استيلائه على الخلق ، وتسلطه على إضلالهم بهذه العبارة ( ثم يبعث ) أي : يرسل ( سراياه ) : جمع سرية ، وهي قطعة من الجيش توجه نحو العدو لتنال منه ، وفي النهاية هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وسموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري ، وهو النفيس ، وقيل : لأنهم يبعثون سرا ورد بأن لامه راء ، ولامها ياء ( يفتنون الناس ) : بفتح الياء ، وكسر التاء أي : يضلونهم ، أو يمتحنوهم بتزيين المعاصي إليهم حتى يقعوا فيها ( فأدناهم ) أي : أقربهم ( منه ) أي : من إبليس ( منزلة ) : مرتبة ( أعظمهم فتنة ) أي : أكبرهم إضلالا ، أو أشدهم ابتلاء ( يجيء أحدهم ) : جملة مبينة لقوله : أعظمهم فتنة ( فيقول ) أي : أحدهم ( فعلت كذا ، وكذا ) أي : أمرت بالسرقة ، وشرب الخمر مثلا ( فيقول ) أي : إبليس ( ما صنعت شيئا ) أي : أمرا كبيرا ، أو شيئا معتدا به ( قال ) أي : النبي ( ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته ) أي : فلانا ( حتى فرقت بينه وبين امرأته ) : هذا ، وإن كان بحسب الظاهر أمرا مباحا ، وظاهره خير ، ولذا قال [ ص: 142 ] تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) ، ولكنه من حيث إنه قد يجر إلى المفاسد يصير مذموما ، ويحث عليه الشياطين ، ويفرح به كبيرهم ، ولذا قال – عليه الصلاة والسلام – : ” أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) .
وقال تعالى : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) ( قال ) : عليه الصلاة والسلام – ( فيدنيه منه ) أي : فيقرب إبليس ذلك المغوي من نفسه من الإدناء ، وهو التقريب ( فيقول ) : وفي نسخة صحيحة ، ويقول أي : إبليس للمغوي ( نعم أنت ) أي : نعم الولد ، أو العون أنت على أنه فعل مدح ، وفاعله مضمر على خلاف القياس ، وقيل : حرف إيجاب ، وأنت مبتدأ خبره محذوف أي : أنت صنعت شيئا عظيما ، وقول ابن الملك هو الصواب هو الخطأ ؛ لأنه مخالف للنسخ المصححة الدالة على الرواية مع احتياجه إلى التكلف ، والتعسف في توجيه صحة الدراية ، ( قال الأعمش ) : وهو أحد رواة هذا الحديث ( أراه ) : بضم أوله أي : أظن أبا سفيان طلحة بن نافع المكي ، وهو الراوي عن جابر كذا في الأزهار نقله السيد جمال الدين ، وقال الطيبي : ضمير الفاعل للأعمش ، وضمير المفعول لجابر ، وقيل : أظن النبي – عليه الصلاة والسلام – ، وهو الظاهر من قوله ( قال : فيلتزمه ) : فإنه إما عطف على فيدنيه ، أو بدل منه كذا قيل ، والأقرب أنه عطف على فيقول ، والله أعلم ، والمعنى فيعانقه من غاية حبه التفريق بين الزوجين ، وذلك ؛ لأنه محب كثرة الزنا ، وغلبة أولاد الزنا ليفسدوا في الأرض ، ويهتكوا حدود الشرع ، ومن ثم ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( لا يدخل الجنة ولد زانية ) . رواه الدارمي في سننه ؛ لأن ولد الزنا يعسر عليه اكتساب الفضائل ، ويتيسر له أخلاق الرذائل ( رواه مسلم ) : وكذا أحمد .
المصـــدر
الكتب – مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – كتاب الإيمان – باب في الوسوسة- الجزء رقم1